رثاء الدكتور عبد الكريم هاني للراحل الدكتور شامل السامرائي

                                    

                        د.عبدالكريم هاني

  

                                                     

"من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" صدق الله العظيم.

وقد كان اخي المرحوم شامل السامرائي مثلا كاملا لمن انعم الله سبحانه وتعالى عليهم بهذا الوصف الجميل، فقد كان من المؤمنين المتمسكين بإيمانهم وبخدمة وطنهم وأمتهم وممن لم يهنوا يوما امام الصعاب والعواصف التي المت بالوطن والأمة طوال السنين التي عاشها فصدق ما عاهد الله عليه ولم يبدل ودفع صابرا محتسبا ثمن ذلك الإيمان بالسجن حينا وبالتشريد احيانا كلما اجتاحت الوطن موجة من الموجات التي كانت وماتزال تقلب احوال الوطن وابنائه.
عرفت المرحوم ابا اندلس بعد عودته من "غربته" في الشام التي قصدها بعد ان انقطعت به السبل في العراق ودفع ثمن ايمانه القومي بعد انهيار الحركة القومية عام 1941 فسافر الى  الشام عندما تمكن من السفر فالتحق بجامعتها، وحين اشتدت مقاومة الفلسطينيين للغزو الصهيوني بعد ان انسحبت بريطانيا من فلسطين اثر صدور قرار الامم المتحدة  بتقسيم فلسطين ترك مقاعد الجامعة وتطوع للعمل داخل الاراضي الفلسطينية لإسعاف جرحى المجاهدين حتى دخول الجيوش العربية الى فلسطين فعاد لاستئناف دراسته حتى تخرج طبيبا قي اوائل خمسينات القرن الماضي.
 وجمعنا الإيمان بوحدة العراق والوطن العربي الكبير فكان السبّاق في العمل والتضحية في هذا الباب بدون تردد، وكان ذلك واضحا حين تجمعت مجموعة من العروبيين من ذوي المهن الطبية لتسهم في العمل النقابي والاجتماعي وكان الدكتور شامل من بينهم، وحين نجحت هذه المجموعة في انتخاب الدكتور احمد كمال عارف نقيبا لذوي المهن الطبية، وكان ذلك عكس الإتجاه السائد حكوميا في عام 1961  تحمل الدكتور شامل العمل بالجد والاخلاص اللذين عرف بهما لإسناد النقابة وتأييدها وخصوصا حين انتهى بها الأمر الى سجن النقيب ونائبه الدكتور عبد اللطيف البدري الى يوم سقوط النظام في 8 شباط 1963 .
 كان صريحا في التعبير عن رأيه لا يجامل ولا يخشى ...أذكر انه حين نجحت زمرة من الضباط السوريين في فصم عرى الوحدة بين سوريا ومصر في 28 ايلول عام 1961، وكانت الحكومة العراقية حينئذ متحمسة في تأييد ذلك الإنفصال، بل لعلها قد قدمت بعض العون في سبيل إنجازه، وأرسل بعض السياسيين السوريين برقيات التأييد لقادة الإنفصال وحين سمع المرحوم الدكتور شامل إسم المرحوم شكري القوتلي بين الموقعين أسرع إلى دائرة البريد وأرسل للقوتلي برقية خاطبه فيها قائلا "حبوت وتسامقت الى الخلود فعانقته ثم عنت عليك الأنانية فذكّرتك أنك مجوسي أسلم فندم". ولا نعلم هل سمحت السلطات بإبراقها او لا فقد كانت تحديا واضحا وصريحا للتوجه الشعوبي الذي كانت تسير عليه الحكومة في ذلك الحين ولكنها لا شك قد وصلت للقوتلي بطريقة او باخرى وكان لها صدى بليغ في جميع الأوساط فقد كان القوتلي يعرف من هو شامل السامرائي إذ حدثني أحد الأطباء الذين درسوا في الجامعة السورية في الأربعينات أن القوتلي كان ينظر من الشرفة حين يبلغه خبر مظاهرة لطلبة الجامعة فإن رأى شامل في المقدمة عرف أن المظاهرة قومية.
وحين شكل المرحوم طاهر يحيى وزارته مع الرئيس عبد السلام عارف اختارا الدكتور شامل وزيرا للوحدة تثمينا لما عرف عنه من ايمان بالوحدة العربية والعمل لتحقيقها. وقد كان له دور بارز في تحقيق المصالحة بين الجمهورية العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، ثم انتقل بعدها الى وزارة الصحة في الفترة التي صدرت فيها القرارات التي سميت بالاشتراكية، وقد أوقعه حينئذ حرصه الزائد ومتابعته الأمور بشأن استيراد الأدوية التي سلمت الى شركة عامة شكلت خارج نطاق وزارة الصحة ومحاولته استمرار رقابة الوزارة على العملية، اوقعه كل ذلك في خلاف مع الدوائر التي كانت قد اوكل اليها ادارة الشركة.
كانت آخر علاقته بالوزارة في عهد المرحوم عبد الرحمن عارف حين اشغل وزارة الداخلية الى يوم 17 تموز عام 1968 حيث أودع السجون المختلفة مع المرحوم طاهر يحيى وثلة من رفاقهما حتى تم الإفراج عنهم في فترات مختلفة أدت الى تدهور صحته التي ظل يعاني منها الى ان توفاه الله الى رحمته.
كان رحمه الله في كل الوزارات التي اشغلها حريصا غاية الحرص على اداء الواجب بالنزاهة والإخلاص اللذين تفرضهما اخلاقه العالية وايمانه العميق مما جعل الجميع يذكرونه بالخير دائما. رحم الله ابا اندلس وألحقه بالشهداء والصديقين انه سميع الدعاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عمان – 19/8/2014
 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

581 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع