إلى المسنين

                                         

                               عايدة رزق

إذا كنت قد استيقظت فجأة.. واكتشفت أنك أصبحت عضوا فى نادى العجائز.. أو اكتشفت أنه لم يبق لك سوى عدة أيام وتبلغ سن التقاعد.. وشعرت بالدهشة من السرعة التى مرت بها السنوات.. والوقت الذى تسرب دون أن تفرغ كل ما فى جعبتك.. ثم انتابك الفزع وأنت تتخيل نفسك جالسا فى منزلك بلا عمل أو هدف.. تبحلق فى الجدران..

أو تشاهد برامج التليفزيون.. إذا كان هذا هو حالك.. فأهمس لنفسك بتلك العبارة: «لن أتوقف طالما قلبى ينبض بالحياة».. وهى العبارة التى قالتها المكسيكية إليسا مونيز، بينما كانت ترفع يدها تحيى الجماهير، التى جاءت لتصفق لها بعد أن حطمت وهى فى عامها الخامس بعد الستين الرقم القياسى لركوب الدراجات المسجل باسمها من قبل فى موسوعة جينيس.. وتأكد من أن الحياة فى أى سن مليئة بالوعود ومثيرة للدهشة.. وهى الجملة التى كتبتها الأدبية الإنجليزية إنيد باجنولد، التى ألفت أجمل مسرحياتها وهى فى عمر الخامسة والسبعين.

للحق انها فترة صعبة.. ستقودك فيها أفكارك نحو مشاعر سيئة وسلبية.. سيغمرك أحساس مؤلم بالشجن.. حين تكتشف أن لقب شاب قد سحب منك.. وأنه فى انتظارك ألقاب مثل عجوز وكهل ومسن. لم تكن مستعدا.. ولا تملك خطة.. وتلك هى المشكلة التى أدركتها منظمة الصحة العالمية، حين ذكرت فى أحد تقاريرها أن المسنين فى الدول النامية سيعانون معاناة شديدة ما لم يتم اعداد مشاريع وبرامج للاستفادة من خبراتهم وطاقاتهم.. وأيضا ما لم يتم اتخاذ قرارات توفر لهم حياة كريمة.

كما أكدت منظمة الصحة أن صراع الأجيال سيزداد ضراوة قبل أن تخمد حدته حين تتعود المجتمعات وتتكيف على وجود أعداد كبيرة من المسنين بين سكانها.. وحتى يحدث ذلك.. لابد أن يمتلك كبار السن القدرة على مواجهة اتجاه يزداد انتشارا فى كل مكان فى العالم وهو عزل المسنين وأشعارهم بأنهم غير مرغوب فيهم.

لكن المشكلة، التى لم ينتبه لها أحد.. تكمن فى الأخبار التى تفيد بأن متوسط عمر الإنسان سيرتفع ليصل إلى 150 عاما خلال النصف الثانى من القرن الحالي.. إذا ساورك الشك فى صحة هذه الأخبار فارجع إلى الوراء.. إلى نهاية القرن السابع عشر.. لتعرف أن من كل مائة طفل مولود لم يكن يعيش سوى 51 فقط حتى سن العاشرة و43 حتى سن الثلاثين.. ولا يبلغ الخمسين سوى 28 شخصا فقط.

فى هذا الوقت.. كان يعد مجنونا من يقول ان متوسط عمر الإنسان سيصل بعد ثلاثة قرون.. أى فى نهاية القرن العشرين.. إلى سبعين للرجال.. وسبعة وسبعين للنساء.. وهو ما حدث بفضل التقدم العلمى الذى تتلاحق إنجازاته الآن بصورة مذهلة.

ومعنى أن يطول عمر الإنسان أن مشاكل من نوع جديد ستطفو على السطح.. دعك من مشاكل الغذاء والتلوث والزحام.. فالعلم قادر على حلها.. وفكر فى مشكلة إنسان تزوج وعمره 30 عاما.. وقدر له أن يعيش 150 عاما.. فكيف سيتحمل وهو الملول السريع الضجر أن يرى وجه زوجته كل صباح لمدة 120 عاما؟!!.. وفكر فى الحكايات التى ستتناثر عن أزواج هجروا زوجاتهم بعد قرن أو أكثر من الزواج ليرتبطوا بفتيات يصغرونهم بثلاثة أرباع قرن!!.. أيضا كيف سيتعامل الإنسان مع جد جده.. وأحفاد أحفاد أحفاده؟.. كيف سيكون شكل الصراعات والعلاقات بين كل تلك الأجيال المتلاحقة؟

والآن.. عليك أن تؤمن بمقولة:

«ان الإنسان يصبح عجوزا عندما يقرر ذلك».. فبإمكانك أن تجعل من السنوات العشرين أو الثلاثين الأخيرة من عمرك أفضل سنوات حياتك.. إذا أحسنت الاستعداد لها.. وإذا احتفظت بحماسك وتفاؤلك.. وتواصلت وتعاطفت مع الأصدقاء.. وبحثت عن فرص ومهام جديدة .. ولم تقع فى فخ أن سنوات الشباب هى أجمل سنوات العمر.. فكن إذا حدث وشعرت بأن فى أعماقك أمواجا هادرة من المرارة والغضب.. فأبحث عن البحيرة الهادئة العميقة من الرضا.. ستجدها هناك فى ركن دافئ فى قلبك.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

467 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع