الوصية الأخيرة!

                                         


                              عايدة رزق

لم تكن تشعر بدنو الأجل حين جلست تكتب وصيتها الأخيرة .. ولم تكن طاعنة فى السن أو مريضة بمرض عضال .. كل ما فى الأمر أنها أرادت أن توزع الأشياء التى تمتلكها على الأشخاص الذين شاركوها رحلة الحياة.

للحق .. كانت تدرك تماما قيمة ما لديها .. لذلك اختارت كلمات الحب والود لتتركها لزوجها الأول الذى كان يراها نموذجا فريدا من البشر .. وغادر الحياة بعد فترة قصيرة من زواجهما مما أصابها بدهشة لم تشف منها حتى الآن .. وطلبت من الشخص الذى سيتولى وضع تلك الكلمات على قبره أن يضع بجوارها باقة من الزهور الملونة.

أما الزوج الثانى الذى عاش معها بلا ملل ما يقرب من عشرين عاما .. فقد تركت له مجموعة اللحظات التى تعتبرها أروع وأثمن أوقات عمرها .. وهى لحظات الحرية والسلام.

مجموعة أغانيها المفضلة تركتها لصديقة عمرها التى شاركتها أوقات الفرح والمرح .. فى فترة الصبا.. حين كان العالم أمامهما واسعا ورحبا .. وواعدا بأيام مشرقة وليال دافئة مبهجة.

حزمة الصرخات الهائلة التى دفنتها فى أعماقها منذ زمن تركتها لأختها التى لم تر منها إلا التوبيخ والإهانة .. والتى أدمنت النحيب والشكوى وعاشت عمرها ساخطة متذمرة.

صندوق الكوابيس والمخاوف تركته لمن آمن بموهبتها ودفعها لأن تبدأ خطواتها الأولى فى الحياة .. وخلال وجوده بجانبها اكتشفت أن وراء نظرة الحزن التى سكنت عينيه طفولة مرعبة .. لا تدرى ما الذى حدث فيها .. ربما جوعوه .. ربما حبسوه فى الظلام .. ربما جلدوه بالسياط .. لذلك فهى متأكدة من أنه سيعرف كيف يتعامل مع المخاوف والهواجس والكوابيس خاصة أنها تركت له شجاعتها الأدبية.

لم يبق لديها سوى الأثاث والأشباح .. تركتهما إلى من سيجد هذه الأوراق وفوضته أن يقوم بعمل تمنت القيام به .. وهو القاء كل الأشياء البالية القديمة من النافذة .. باستثناء بيانو الخالة روزيتا.

وفى النهاية .. ذكرت أن أحدا ليس مجبرا على قبول أى شيء متروك له فى الوصية .. فيمكن أن يأخذه أو يتبرع به لجمعية خيرية أو يلقيه فى صندوق القمامة.

«سيسليا» .. التى لم يكن لها عائلة .. والتى جلست وحيدة تكتب تلك الوصية لأشخاص لا وجود لهم .. هى بطلة قصة اسمها «وصية سيسليا الأخيرة» .. للكاتبة البرازيلية أليثيا شتايمبرج التى أدركت أن احدى المآسى البشرية أن يعيش الانسان وحيدا .. لا أحد يشاركه مشاعر التعاسة والفرح .. أو يمنحه الاهتمام والامتنان .. أو يشاطره الطعام والأفكار .. وإذا كان الشعور بدفء الأسرة والتواصل العائلى يساعد على حماية الانسان من الإصابة بالأمراض النفسية .. فإنه أيضا يساعد على حماية المجتمع من بعض الظواهر الخطيرة .. فتدهور الأخلاق وضياع القيم الانسانية الجميلة والنبيلة .. وانفلات السلوكيات وكل المشاهد السلبية القبيحة التى نراها منذ سنوات فى الشارع المصرى أحد أسبابها الرئيسية ضياع الشعور بالانتماء للأسرة والعائلة.

انها احدى نعم اللَّه التى لا تحصى .. أن ينتمى الانسان إلى عائلة وأن يتواصل ويتعاطف مع أفراد أسرته .. وأن يتذكر أن هناك بشرا مثل بطلة القصة البرازيلية التى لم يفتنها شيء فى حياتها سوى منظر الفتيان والفتيات الذين يعودون إلى بيوتهم فى المساء .. فيجدون النوافذ مفتوحة والأنوار مضاءة .. ويجدون أمهاتهم يضعن على أكتافهن شيلانا من الكروشيه ويحضرن الطعام .. أو يجدون اخوانهم الصغار وقد تعالت أصوات ضحكاتهم وضجيج لعبهم..

المهم .. حين تنتهى من قراءة القصة .. لا تسأل نفسك .. كما فعلت أنا .. من الذى يستحق الصرخات المكتومة .. أو الكوابيس المفزعة قبل أن تتأكد أن هناك من سيفوز بباقات الزهور .. وأغنيات الحب ولحظات السلام!!

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

676 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع