أنا مرجعكم فإتبعون

                                  

                          علي السوداني

بمستطاعي وتحت يميني الراسخة ، أن أُفتي بأنني قد وجدتها . صاحبي نصَحَني أن لا أفتح مكتوبي بالباء وأخواتها ، لقبح المجرور في أوّل الكلام.

أظنُّ أنَّ خلّي لم يكن عالماً . ربما كان من ثرثاري قعدات أخير الليل ، أو متكئات رأس الشارع . لستُ معنيّاً بوجه البومة . هذه المرة بدأتُها بالباء الساحلة ، والقادمة سأشتلُ على بابها لاماً بمقدورها جرَّ البعير من ذيلهِ . مشاكل اللغة أعظم من معامع الناس . بلبلة تأريخية متّصلة . أللغة غدّارة قاسية . أسوأ أصنافها هي تلك التي يسمّيها النقدة حمّالة أوجهٍ . كأنّك في عوزٍ بائنٍ لتفريخ الحروف كي تخلقَ جملةً تخلو من دسيسةٍ وتدويخ رأس . أنا أفضّلُ نفريّة ضِيق العبارة واتّساع الرؤيا . لا أدري تماماً لغز الخلاف الهابيلي القابيلي الذي ساحت على عتباتهِ أول دماء لم تسجّل ضد مجهول . سأُعيد انتاج الطقطوقة العتيقة : ماتَ الرجلُ . مات هنا فعلٌ ماضٍ مبنيّ على الفتح ، والرجلُ فاعل صريحٌ مشعٌّ مزهوٌّ بالضمة الراقصة . ألرجلُ هنا هو الفاعل وهو الذي أماتَ نفسهُ . سنسمّن الجملةَ وننفخها ونكتبها على صورة ماتتْ الناس . نفس الفعل مع خرافة اسمها تاء تأنيث فائضة لا تهشّ ولا تنشُّ ، وفاعل الموت هم الناس أنفسهم . هذا تأويل ينفعُ الحاكم الذي سينادي بالناس ، إنّ من أراد أن يموتَ فلهُ ما أراد واشتهى ، ومن رغبَ في العيش فلهُ ذلك ، مشروطية أن لا يُصيّر اللغة عكّازاً لميتةٍ شنيعة . سيخرجُ عليَّ واحدٌ من جبّ الصحو ويشيلني صوب باب مسألة نائب الفاعل . سأكرههُ وأسبّهُ وأقصفهُ قصفةَ قاصفٍ إذا قصفْ .
أللغةُ أُمّ المصائب والحرف اللائبُ أبوها .
للمسلمين مثلاً ، ربٌّ واحدٌ وقرآنٌ واحدٌ منزّلٌ على صدر نبيٍّ واحدٍ ، لكنّهم الآن ومن قبل الآن ما انفكّوا يتناطحون ويتذابحون ويأكلُ بعضهم لحمَ بعضهم ، بسبب من سطل زيت اللغة الذي يصبّ فوق نار خرافةٍ ميتةٍ غبية . يقتلك لأنك تتضادد معه في تفسير هذا النصّ السماويّ شديد الوضوح والرحمة ، وذاك القول النبويّ الطيب الذي قسّمهُ تجّار دكة الدين ، إلى ضعيفٍ وقويٍّ ومجروحٍ ومزروعٍ بموضع شبهة . سيأتيك مخبولٌ من نفس طينة مزاد اللغة ويبلبل مخّك بمعامع التأويل والتفسير والإجتهاد وألأعلم والأقوى والأضعف . سينطُّ من جحرٍ مظلم ، واحدٌ يفتيكَ بأنَّ ثمة عطباً كان وقع على فاتورة تسلسل الولاية بُعَيدَ محمّدٍ اليتيم العظيم ، فتتساهل وتترقّق معه وتصير رقبتك رقبة بعير ، وتتوسّلهُ أن يقرأ المسألة من باب تأريخٍ بادَ وانقضى واحتملَ الصحَّ والغلطَ ، لكنّ هذا المخدَّرَ المسودن لن يتركَ ياقتكَ حتى يذبحك بسكّين التأويل .
أيها الناس من مغاربها ومشارقها والمنتهيات : تعالوا إليَّ فأنا مثلكم أحبُّ الله المسهّل الجميل الذي يحبُّ مخلوقاته كلّها . سأكون مرجعكم الذي لا يكلّفكم جبلَ قهرٍ فوق قهركم . سنصلّي ونسلّم ونصوم ونرتّل النصَّ ترتيلا . لا تكذب ولا تقتل ولا تسرق ولا تنتخمْ ، إنّ في خبزكَ ولبسكَ حقٌّ للعراة والجائعين . أمّا الجوهر فيبقى في دفترك جذراً قوياً وحسنَ مآب ، وأمّا المظهر فيذهب مدحوراّ مثل رغوة موجة ، ساعتها ستختفي أبداً مؤبّداً ، صورَ المقمّلين المقطّمين المهرطقين المنغّلين الذين يذبحون ابنك ويفضّون زوجكَ ويشوون أباكَ ويحرقون قلبك بغير حساب .  

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

811 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع