العراق مقبرة للاحتلال والطائفية

                                   

                         د. نسرين مراد

منذ باكورة الاحتلال للعراق، وقعت على عاتق الشباب العراقي مسؤولية طرد الاحتلال.

سرعان ما نشأت المقاومة العراقية الفريدة من نوعها، إقليمياً وتاريخياً، وسط لامبالاة وتنكّر محلي وإقليمي ودولي لها. بعد سنين من المقاومة الشرسة وآلاف العمليات العسكرية الجريئة، اضطر الاحتلال لمغادرة العراق، مع توقيع اتفاقية أمنية سياسية "شكلية" مع سلطة مركزية، شكلية كذلك.

مع وأثناء وعقب الاحتلال، أنشئت سلطة مثيرة للجدل بشأن ماهيتها وعقم وجودها وفشل برامجها، في قيادة وإدارة العراق. بالذات نشأت سلطة طائفية من الدرجة الأولى، يحاول أركانها الرجوع بالتاريخ والديمغرافيا لعشرات ومئات، بل وآلاف سنين خلت.

كل طرف يحاول أن يغير مسار التاريخ القديم والحديث، لصالح فكره المشوه بالطائفية والعرقية والكراهية ونزعة الانتقام. تركّز النزاع الطائفي بصورة خاصة حول الحقبة التاريخية التي أعقبت انتشار الإسلام في العراق. انتشر الطائفيون وأصبحوا يطوفون على الأتباع، يعمِّدونهم بفكر انتقامي، ثم يزودونهم بوسائل القتل والتدمير واستباحة حرمات الغير.

لم يذق العراقيون طعم الراحة والأمان والهدوء والاستقرار، طيلة ما يربو على عقد من السنين. اجتاحت الحرب الأهلية جل العقول والقلوب والخيالات والأمزجة. أصبح هم العراقي العادي شبه الأوحد، هو التحقق من هوية صديقه وجاره ورفيق عمله؛ هل هو مسيحي أو مسلم؟ شيعي أم سني؟ عربي أو كردي أو تركماني أو فارسي أو صفوي أو ساساني؟!

المسؤول بالدرجة الأولى عن هذه المهازل العصرية، هو النظام السياسي الطائفي الذي أوجد مجموعات من الأتباع يفعل بهم مثلما الراعي، والجزار في آن معاً، يفعل بقطيعه.

أصبح العراق بؤرةً لعدم الاستقرار في الداخل العراقي والمحيط الإقليمي، وحتى الواسع الدولي. انتشر في الدول المجاورة وباء الطائفية، وأصبحت الجهات الرسمية والشعبية هناك تواجه خطراً إن يستفحل سيعصف بالوجود الديمغرافي والاستراتيجي للمنطقة من الأساس.

يستفيد من هذا الوضع المثير للرعب الجماهيري الحاشد، العدو المتربص بالمكان وخيراته الطبيعية وطاقاته البشرية الضخمة. هذا بدل أن يتحول العراق إلى بؤرة وأنموذج للإنتاج والاستقرار، بما فيه من خيرات طبيعية متدفقة بغزارة، وطاقات بشرية ضخمة متجددة.

أخيراً أيقن العراقيون أن الخطر الكامن في السياسة الحالية وأسلوبها في التعامل مع مكونات المجتمع، لا يمكن التعامل معه بالصمت. بعد سنين من الدماء والقتل والإحراق والنهب الطائفي والفئوي، بات الطريق واضحاً أمام بدء حراك سلمي عنيد، تحوّل في النهاية إلى ممارسة للمقاومة المسلحة.

لمواجهة هذا المد الجماهيري العفوي، لجأ الحكم إلى الأسلوب الطائفي المعهود في التحجيم والتهميش والتحقير والإقصاء. للمرة الأخيرة، ربما(!)، يحاول أن يقسم الشعب إلى فئتين؛ إحداهما تقف معه والأخرى ضده.

الحكم الآن في العراق أمام خيارين أحلاهما مر؛ إما أن يلبي مطالب المحافظات المنتفضة أو الثائرة عليه سلمياً؛ عملياً عليه أن يترك الحكم لغيره. الخيار الثاني هو أن يخوض حرب إقصاء وإبادة ضد مكون بشري وطني، لا يرضى بأقل من مشاركة حاسمة مميَّزة في الحكم.

إذا اختار الحكم الطريق الثاني على أمل أن يلاقي دعماً محلياً وإقليمياً ودولياً يجعله يقف على قدميه؛ فسيكون حاله ربما أسوأ مما فعله النظام في ليبيا سابقاً وسوريا حالياً، وغيرها من البلدان العربية الأخرى.

الحرب على الشعب خاسرة، مهما يكن حجم الشعب المشترك في الحراك الجماهيري ضد الحكم المركزي. النظام في بغداد يواجه أوقاتاً نهائيةً، قد تكون معدودةً بالأسابيع أو الأشهر. قد تكون هذه هي الحلقة الأخيرة في وجود نظام سياسي طائفي فاشل فاسد.

النظام الحالي في العراق حقيقةً حَفَرَ قبره بيديه، وساعد الثورة العراقية الحديثة على التخلص منه؛ ذلك بسبب تحجّر فكره العقائدي والاجتماعي، وعقم مساره الضيق المتشدد في السياسة والتطوير والتحديث. المقاومون والثوار العراقيون، يحوّلون العراق إلى مقبرة للاحتلال الهمجي والطائفية النتنة.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

693 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع