النظام الملكي العراقي البدايه والنهايه/ج1

    

النظام الملكي العراقي ..البدايه والنهايه / الجزء الأول

                     1921 - 1958
                                                                                                        

                    بقلم/ صديق المجلة/ بغداد

       

هذه المقاله باجزائها الاربعه هي رؤى وتحليلات وآراء شخصيه استقيتها من تجارب ومناصب عملت بها ووثائق اطلعت عليها وتسجيلات ومؤتمرات واجتماعات,, وتخص النواحي السياسيه والاجتماعيه والعسكريه اعرضها لغرض المناقشه واغناء ماينفع منها خدمة للحقيقه وليست غيرها ..

 

الجزء الاول

انتهت الحرب العالميه الاولى (1914 – 1918 ) واصبحت المنطقه العربيه تقع تحت الاحتلال الاجنبي الذي انقسم بين البريطاني والفرنسي والايطالي ولم تأتي الثوره العربيه أكلها بعد ان خدع الانكليز الرجل الطيب الشريف حسين الذي ضحى بالخلافه الاسلاميه العثمانيه نظير دوله عربيه كبرى لم تتحقق بل رأى قبل مماته وطنا مجزأ الى عدة اقسام وارضاءا له و نظيرا لخدماته تم تعين نجله فيصل ملكا على سوريا الى ان المعاهده اللاحقه واعادة توزيع المغانم جعلت من سوريا تحت النفوذ الفرنسي وبذلك عزل الفرنسيون فيصل ونفي خارج سوريا حتى قامت بريطانيا العظمى بتتويجه ملكا على العراق وتتويج اخيه ملكا على الاردن ..

              

وثيقة البيعة الى فيصل موقعة من أشراف وشيوخ عشائر ووجوه اجتماعية عراقية

بين عام 1918 وعام 1921 كان العراق يخضع للاحتلال البريطاني العسكري وخلال هذه الاعوام لم يكن الشعب العراقي راضيا او مقتنعا بذلك وتكاثرت الحوادث التي تولدت من احتكاك العسكر مع المواطنين والتي تراكمت ثم ادت الى ثوره شعبيه وهي ما اطلق عليها ( ثورة العشرين ) الامر الذي دعى الانكليز الى الاستعجال في تسليم صوري للحكم في العراق الى العراقيين وهكذا تم اختيار فيصل ملكا على العراق لسببين مهمين اولهما ارضاء للعائله الهاشميه وتثمينا لمواقفها مع الانكليز ضد العثمانيين والثاني هو اختيار رجل من آل البيت يتمكن من جمع كلمة العراقيين وخاصة موقف المتدينين منهم وحبهم لآل البيت ولغرض اسكات الشعب وضمان البقاء تحت الرعايه البريطانيه..

    

في الحادي عشر من تموز 1921 قرر مجلس الوزراء العراقي المناداة بفيصل ملكا على العراق ( على ان تكون حكومه دستوريه نيابيه ديمقراطيه وتعمل بموجب القانون ) وبالرغم من ذلك ظل العراق تحت الحكم البريطاني (الانتداب ) ويقول ممثل بريطانيا في عصبة الامم (الشذوذ الموجود في كون العراق متمتعا بسياده وطنيه وكونه خاضعا للانتداب . والمشكله الموجوده في كون الوزاره مسؤوله بحكم الدستور تجاه البرلمان ولكنها خاضعه لنفوذ المستشارين البريطانيين ). (هذه كلمة ممثل بريطانيا في عصبة الامم للتصويت على قبول العراق عضوا فيها ) ..

                                     

استلم فيصل الملك قيادة العراق وهو في حالة يرثى لها من تخلف وسوء احوال معيشيه وجهل وامراض وعدم تيسر اي شكل من الخدمات او المواصلات او البنى التحتيه بعد ان ركن العراق في زاويه مهمله من قبل الامبراطوريه العثمانيه حتى ساءت اموره بشكل كبير وقد تنطبق عليه كلمة (بلد متخلف من جميع الوجوه ) .

لم يكن للملك حتى دار يسكن فيها او يقيم فيها مقره وديوانه واتخذ دور احد الاشراف مقرا له وكانت الامور سيئه بشكل يمكن ان اجمل بعضها :

1 . المبلغ الموجود في الخزينه العراقيه هو ( 400,000 ) الف جنيه استرليني .

2. نسبة الذين يقرأون ويكتبون 2,5% . وعدد المدارس لايتجاوز اصابع اليد والاميه 97,5%.

           

3 . لم يكن في بغداد سوى جسر خشبي واحد عائم على زوارق خشبيه يهرب في الفيضان ويعاد بالطبول والاهازيج .

4 . في الجنوب كانت الحاله اكثر سوءا فقد كانت المساكن من القصب والبردي والطين والناس تعيش على ( الكبائش ) وتسمى بالعاميه ( الجبيشه ) وهي تجمع جذور البردي والقصب لتشكل شبه جزيره عائمه يبنى عليها بيوت القصب وياكلون ما تصطاده ايديهم من الهور وبوسائل بدائيه وكأنهم في العصور البدائيه.

5 . لم يكن الحال في الشمال والوسط والغرب بافضل فقد كانت الامراض تفتك بالناس موسميا وعدم وجود سوى مورستان (مستشفى ) واحد هو المجيديه وانهك هذا المنشأ بسبب الحرب والناس تعالج بالخور والطلاسم والتعويذات .

6 . اكثر بيوت الناس قديمه ومن الطين وايله للسقوط وغير صالحه للسكن ويشترك في الدار الواحده اكثر من عائله.

7 . دخل الفرد قريب من الصفر ولم يكن العراقي يملك الملابس الكافيه ولا الطعام الكافي وكانت العائله تتبادل الملابس فيما بينها واكثر الناس حفاة ولذلك كانت مهنة الريافه والترقيع واصلاح الاحذيه مزدهره.

8 . الزراعه متخلفه ولا تكاد تسد الرمق بعد ان كان العراق سلة حبوب العالم وكثيرا ما كنت ترى النسوه يبحثون في مخلفات البقلين عن حبة طماطه او غير ذلك ممكن الاستفاده منها .

9 . شعب مختلف على نفسه تتصارع فيه القوميه والمذهبيه والمناطقيه ولايفقه من مفهوم الدوله شىء وتسوده البداوه التي تعتبر نهب المال العام نوع من الرجوله والغنيمه وقد ورث ارثا ثقيلا من الصفويين والاتراك في تناحرهم الذي انعكس على العراقيين .

10 . لايتوفر في العراق مياه صالحه للشرب وكانت الناس تشرب المياه من الانهر والسواقي والابار مباشرةولذلك كانت الامراض منتشره وتفتك بالناس يوميا كما لم يكن اي نوع من انواع مساحيق الغسيل او الصابون وكانت العوائل تستخدم تراب الحنطه والشنان وورق السدر لهذا الغرض حيث لم تكن هناك اسالة ماء في اي مكان من العراق .

كل ذلك الحمل الثقيل الذي كلف به فيصل كان لابد له من الركون الى دعم الانكليز خاصة وهذا ليس تبرير له ولكنه امر واقع وهم الجهه المحتله و المنتدبه على العراق وموجودين في كل خطوه , ومن الصعوبات التي جابهته اضافة لما ذكرنا فقد كان غريبا على العراق ! وشعب العراق له خصوصيه فانه لايملك نخبه سياسيه يعتد بها ويتأثر شخوصه السياسيه بالقبيله والطائفه والمذهب والمنطقه والقوميه ولذلك كان من الصعب جمعهم على رأي وهذه كانت من اكبر المعاضل التي واجهت فيصل وقد صرح بها عدة مرات وفي مناسبات مختلفه .. وسبب هذا التباين هو الصراع العثماني الصفوي على العراق والتناوب في احتلاله وما خلفه من صراع مذهبي كل منهما يحاول ان يؤمن لامبراطوريته مكاسب واهداف على حساب العراق وشعبه واهله وموارده وخيراته وارضه ..

                                

لقد كانت البدايه صعبه ولكنها كانت رحلة الالف ميل التي بدأت بخطوه واستمرت حتى وفاته في عام 1933 وكان قد حقق الكثير فلقد بات العراق دوله عضو في عصبة الامم ولها دستور ومجلس اعيان ومجلس نواب وحكومه وجيش وشرطه وبدأت فيها حملة اعمار وطرق مواصلات وعملية تحديث مستمره ولكنها بطيئه لاسباب كثيره منها قلة الموارد وقلة الكوادر وتدخل الانكليز والصراع الداخلي ولكن عجلة التقدم كانت تدور ..

    

توفي الملك فيصل في عام 1933 وترك العرش لابنه الشاب غازي الذي لم يكن يمتلك خبرة ابيه ولا حصافته ومكانته ولكنه كان يريد ان يجعل من العراق شيئا مميزا ..

          

في عهده بدأت الصراعات الداخليه تظهر على السطح واولها انقلاب بكر صدقي وحكمت سليمان 1936 واجبار الملك الشاب على قبول تكليف حكمت سليمان للحكومه وفتح ذلك الباب على مصراعيه لتدخل العسكر في السياسه وتوالت الانقلابات والحركات ومنها حركة رشيد عالي الكيلاني 1941 وحركة الجيش( الفريق نور الدين محمود ) في عام 1951 وماتلاها من حركات اثرت كثيرا في حركة البناء وتقدم العراق ومع ذلك فأن العراق اصبح نموذجا اقليميا كان ينظر اليه كل العرب وخاصة الخليج والاردن وسوريا واليمن وايران وتركيا وكان الكثير من هؤلاء يقتبسون ما يروه فيه العراق من اعمال حتى على الصعيد الشخصي والملابس والجيش والشرطه وطريقة العيش والتصرف وغيرها

                    

وفاة او مقتل الملك غازي في حادث سياره لايزال موضع جدل من ان يكون جريمه مدبره من الانكليز وعبد الاله بسبب ميول الملك الى النازيه او الوطنيه او ان يكون حادثا عرضيا ؟ ..

             

واستلم حكم العراق الوصي على العرش لان ولي العهد (فيصل الثاني ) كان طفلا غير مؤهل للعرش وحتى يبلغ السن القانونيه لاستلام العرش وتربع عبد الاله على الحكم ويقال عنه انه كان دمث الاخلاق وخجول ولكنه يمتلك طباع لاتتلائم مع المجتمع العراقي الذي تسوده القبليه والعشيره ولذلك لم يلقى تجاوبا ومحبة من لدن الشارع العراقي ...

           

ولكنه تمكن بعد اعتماده على السياسي العراقي الداهيه ( نوري باشا السعيد ) الذي كان يدير الدوله حتى وهو خارج الحكومه وشهدت هذه الفتره الكثير من الاحداث الكبيره منها الحرب العالميه الثانيه وحركة مايس 1941 وحرب فلسطين 1948 واحداث ايران ( مصدق) ..

   

وفي عام 1953 تم تتويج فيصل الثاني ملكا على العراق( تسلسله الثالث ) وهو في سن الثامن عشر من العمر وبالرغم من دراسته المكثفه في كلية (آرو) وثقافته العاليه الى انه كان قليل الخبره في السياسه وادارة الدوله لصغر سنه ولذلك نراه ظل متعلقا بخاله عبد الاله ومتشبثا به حتى نهايته الغير متوقعه في تموز 1958 والتي لاتزال موضع جدل ان كان اغتياله ومن معه مدبرا ومخطط له مسبقا ام كان حدثا عرضيا املته الظروف في حينه .

           

لم يتسنى للملك الشاب فرصه كافيه لابراز مواهبه وتقديم مايصبو اليه من تقدم الى الشعب العراقي ولكن هناك الكثير من الانجازات تحققت في عهده وتحسب له ومنها في مجال النفط ومجلس الاعمار وزيادة واردات النفط في المجال الاقتصادي حيث كان العراق مكتفيا زراعيا ويصدر الكثير من الفائض وفي المجال الصحي والتعليم وغير ذلك وان هذه الانجازات لاتزال شاخصةلحد الان .

واجمل المنجزات بشكل عام خلال الحقبه الملكيه :

1 . اصبح العراق قبله ونموذج اقليمي يحتذى به في جميع المجالات ( الاداره والتعليم والصحه ).

2 . ازداد عدد نفوس العراق من ثلاث ملايين الى ستة ملايين .

   

3 . اصبحت ميزانية العراق 170 مليون دينار خصص منها 70% لمجلس الاعمار علما هذا المبلغ كبير جدا في حسابات تلك الايام وعلى سبيل المثال فأن كلفة جسر اللامه كانت مليون وربع مليون ديناروكلفة جسر الملكه عاليه (الجمهوريه ) ستمائة الف دينار.

4 . ازدادت المحاصيل الزراعيه حتى بلغت الحبوب 2 مليون طن يصدر نصفها عدا النفط و التمور والزيوت واللحوم وغيرها .

5 . ازداد عدد الطلاب الى نصف مليون طالب و3000 مدرسه وانخفاض الاميه من 97,5% الى 60% .

  

6 . اقيمت العديد من المشاريع الصناعيه مثل معمل السكر ومعامل الاسمنت ومصافي النفط والسكائر والزيوت والنسيج ومعامل الطابوق والجص ومستلزمات البناء وغيرها .

7 . اقيمت العديد من طرق المواصلات وربط العراق برا وجوا وبحرا بالعالم الخارجي وانشاء الموانيء وانشأت اهم ثلاث سدود لتجيمع المياه ودرء الفيضان .

8 . بلغ عدد الاطباء 2000 طبيب و8000 سرير في المستشفيات و700 مستوصف و12 عياده خارجيه .

9 . جيش قوي ومتطور ومقيم اقليميا وكان يسمى ( بروسيا العرب ) وكان ينافس الجيش التركي .

10 . كان للعراق دور كبير على صعيد السياسه الدوليه والاقليميه ومن المؤسسين لجامعة الدول العربيه وعضو في عصبة الامم ومن ثم الامم المتحده

                          

11 . انشاء العديد من المشاريع السكنيه والتي لم يتسنى لها توزيعها لانها لم تكن قد اكملت خلال تموز 1958 ومنها ( مشروع اسكان شرق بغداد ومشروع اسكان غرب بغداد والمأمون واليرموك وزيونه والالف دار في تل محمد ) كانت من العقود التابعه لمجلس الاعمار اضافة لانشاء خمسة جسور حديثه على نهر دجله .

تعتبر فترة الحكم الملكي من اكثر الفترات اهميه لانها اول تجربه عراقيه تتمثل باستلام العراقيين للحكم والتي بدأت من الصفرو شهدت حراكا سياسيا وعملا اعماريا وتطورات عالميه وداخليه واقليميه وصراعات داخليه ولذلك كانت تعتبر من الفترات التي اتسمت بالحركه والتطور والتحديث وتجربه ديمقراطيه حديثه ولاول مره في العالم العربي والعالم الثالث .

الجزء القادم هو الاحداث قبل تموز 1958

صديق المجله / بغداد

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

540 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع