بغداديات .. دربونة في كرخ بغداد

  

        بغداديات...دربونه في كرخ بغداد

      

          

       

بغداد في منتصف القرن العشرين لم تكن كما هي عليه الان فقد كانت صغيرة مساحتها محدود حجمها وقليلة نفوسها وكانت كما هي الان تنقسم الى جانبين الايمن وهو الكرخ والايسر وهو الرصافه ويمتد الكرخ من منطقة الرحمانيه وهي الان ( مديرية شرطة بغداد / الكرخ ) وباتجاه الجنوب الشرقي بمتفرعين الاول محاذي لنهر دجله ويسمى ( السكه )..

وهو الذي كانت عليه سكة التراموي ( الكاري ) والثاني طريق الشيخ معروف الكرخي ويلتقي الطريقان في منطقة محلة الذهب ومن ثم الى علاوي الحله وسينما بغداد ( الاوزرملي ) والمتحف وينتهي قرب معرض بغداد الحالي والصالحيه وكانت الحارثيه هي حدود الكرخ الخاليه وهي ارض زراعيه وتقع بعد معسكر الوشاش ( منتزه الزوراء حاليا )..   

وتسير باتجاه نهر الخر الذي تقع عليه القصور الملكيه ( الرحاب والزهور ) اما الكاظميه فكانت مدينه مستقله بذاتها وتفصل بينها وبين الكرخ منطقة العطيفيه وهي محذور السير فيها ليلا لوجود قطاع الطرق ..

              

اما الرصافه فهي تبدأ من الصليخ في الاعظميه وتستمر باتجاه الجنوب الشرقي وحتى مناطق باب المعظم والفضل والشيخ عبد القادر الكيلاني وقهوة شكر والباب الشرقي والبتاويين والعلويه ومنطقة رجوان وسوقها المسمى باسمها وهناك فاصله مزروعه هي منطقة العرصات والمسبح ومن ثم الكراده خارج على يمين العرصات والى الجادريه التي هي ملتقى الكرادتين .
تعتبر الرصافه اكبر بكثير من الكرخ ولكن لمنطقة الكرخ خصوصيه كونها كانت مصدر الفعاليات السياسيه والاجتماعيه ولها تأثير في حياة بغداد على مدى التاريخ .

                        

تتألف منطقة الكرخ من العديد من المحلات والمحله على عدد من الازقه ( الدربونه ) وفي كل دربونه عدد من البيوت واكثر المحلات المشهوره في الكرخ هي التي تحاذي نهر دجله لما للنهر من اهمية خاصه وكان يضرب به المثل ( يامسعده وبيتج على الشط ومنين ما ملتي غرفتي ) في اشاره الى اهمية الماء والحاجه اليه في تلك الفترات..

الى ان تم تأمين الماء الصالح للاستخدام البشري الى دور السكن في فترة متقدمه من القرن العشرين وكان يطلق على حنفية الماء ( المزمبله ) ..

من المناطق التي حظت بخصوصيه في الكرخ هي منطقة التكارته وقد تحدث عنها الكثير واليوم نتناول احدى ازقتها بالتفصيل وهي التي تعكس صوره باقي الازقه في محلة التكارته العزيزه على قلوب سكانها الاصليين والتي تحولت هي وجميع محلاتها الى مشروع سكني حديث في مطلع التسعينات وتغيرت معالمها الا لمن تسعفه الذاكره ..  

تمتد منطقة الكرخ المحاذي لنهر دجله من منطقة الرحمانيه حيث يتفرع الطريق الى فرعين الاول هو طريق الشيخ معروف الكرخي والثاني هو طريق السكه كما ذكرنا وهو محاذي لنهر دجله الذي يقع عليه ثلاث قصور كبيره وجميله اولها بيت المدلل في الجعيفر وبيت دبو في التكارته وبيت السويدي في خضر الياس ..

كما تقع على بدايته مقهى البيروتي والقبطان وماكنة الماء وطرشي حنانش وباجة ابن طوبان ...

              

ودوندرمة اللكي ستك ( على العوده ) اول انتاج عراقي زود بعربات مبرده لبيع المثلجات تدفع من قبل شخص ,, وفيها كانت تجري الاحتفالات بليلة الخامس عشر من شعبان ( المحيه ) ومنها كانت تنطلق التظاهرات المعاديه للحكومه والمؤيده لها وفيها تنوع سياسي فريد من القوميين والبعثيين والناصريين والمستقلين والشيوعيين وكان فيها تآلف فريد ومحبه ونخوه نفتقدها في هذه الايام وكان الجار عزيز مهما كان ومن اين كان..

     

وكانت النسوه متعاونات ومتآخيات يجتمعن عصر كل يوم مع حب الركي المقلى بالطاوه والكليجه والجاي وخبز العروك والاحاديث الجميله ( القشب ) . والجلوس على نهر دجله من مميزات هذه المنطقه لجمال النهر وبرودة الجو صيفا والسباحه فيه وانتظار العابرين والصيادين بما يحملون من اسماك ..
تتالف هذه المنطقه من الرحمانيه،الجعيفر ، التكارته ، الست نفيسه ، خضر الياس ، سوق الجديد ، جامع الحبيب العجمي ، راس الجسر ،ساحة الشهداء ..

وعلى يمين الست نفيسه وخضر الياس يوجد سوق حماده المشهور ويلتقي مع سوق الجديد بزقاق يصل الى الجعيفر ..
ولغرض المعلومات فأن تسمية المحلات لم تأتي عشوائيا او ان استخدامها عشوائيا بل هي الاسماء المثبته في الدوائر البلديه ودوائر العقارات وامانة بغداد ويثبت ذلك في شهادات الميلاد وهويات الاحوال المدنيه وشهادات التمليك العقاري ولكل منطقه ترقيم خاص ..
محلة التكارته
تتالف محلة التكارته من تسعة ازقه ( درابين ) واشتقت اسم دربونه من تصغير لكلمة ( درب ) اي طريق باللغه العربيه لان الدربونه دائما ما تكون قصيره وضيقه ومن ذلك تم تصغيرها وهذه الدرابين من الشمال الى الجنوب مع مجرى النهر  كما يلي :
اول دربونه هي دربونة بيت الجواري مجاور جامع الثريا وهي تنتهي بدربونه صغيره تنعطف يسارا الى الطريق الرئيسي ( السكه ) وفي ركنها هذا مقهى ابراهيم اليتيم على اليمين وعلى الركن الايسر محل الحاج خضير ثم فازع الحلاق ومقهى عزاوي ( وهي ليست مقهى عزاوي المعروف في الميدان ) ثم دار الجده صالحه القابله المأذونه .
يقابل دربونة بيت الجواري دربونه بيت ( عذيه ) واكتسبت هذا الاسم من وجود بيت فيه امرأه اسمها عذيه تبيع الحليب الذي كان خاص للمرضى في تلك الايام مثل الدجاج والبرتقال وهذه الدربونه لاتتصل بالنهر مباشرة بل عن طريق متفرع صغير على اليسار وعلى اليمين متفرع اخر يؤدي الى بيت احمد الحجي واولاده الذين كانوا يمتلكون المكتبه الوحيده في المنطقه عام 1958 ويؤدي المتفرع الى دربونة بيت ( الزنكي) وبيت خلوص والى النهر ولكن هذه الد ربونه لاتعتبر شريعه .. والشريعه هي التي يكون فيها مرسى للزوارق ومنطقه يعبر منها الناس الى الجهه المقابله ( الرصافه ) وبالمناسبه فأن جهة الرصافه التي تقابل محلة التكارته وخضر الياس هي مستشفى المجيديه ( مدينة الطب حاليا ) ووزارة الدفاع ) وسراي الحكومه ( القشله ) .
تأتي بعدها على يمين الطريق دربونة ( الكبل ) والمقصود باللهجه العراقيه ( الامام ) او باتجاه مستقيم وهذه تعتبر اطول الدرابين في محلة التكارته وتؤدي الى متفرع على اليمين الى الجعيفر والدوريين وعلى اليسار الى سوق حماده وكان من سكانها الحاج سلوم الحمادي واحمد حسن البكر وبيت الريس عبد الرزاق شهاب وبيت مصطاف واخرين كثر .
يقابل هذه الدربونه باتجاه النهر دربونة بيت (رواله) ولااعلم سبب هذه التسميه قد يكون سكنها احدهم له هذه الصفه وسميت بهذا الاسم حيث كان اجدادنا هذا ديدنهم في تلك الفترات وسنأتي على تفصيل هذا الزقاق لاحقا ..
نستمر الى الامام من جهة اليمين وتلاقينا دربونة الكبيسي وسميت بهذا الاسم لوجود البزاز خضر الكبيسي وهو والد الدكتور المشهور عمر الكبيسي .
وبعدها تأتي دربونة الحاج داوود الحاج سلمان الجبوري ويسكنها اكثرهم من العائله واولاد العم وسميت بهذا الاسم لوجود الحاج داوود في ركن الدربونه وله من الاولاد خمسه وهو صاحب طريفه وعصبي جدا ويرتدي اللباس البغدادي بالجراويه والزبون وعلى انفه ( دكه ) خوفا من الحسد وتراه واقفا ويده في سلسه معلقه بالسقف وفيها حلقه للئتكاء عليها وهذه كانت موجوده في اغلب الدكاكيين وهو من البقالين المشهورين في منطقة الكرخ اضافة الى ( كريم الحمد / نايف الحمد ) وهذه الدربونه متعرجه وتصل الى سوق حماده ومن سكانها المشهورين الدكتور والباحث التاريخي  سالم الالوسي وام مزاحم القابله المأذونه المعروفه .

             


يقابل هذه الدربونه زقاق يسمى ( دربونة بيت طوبان ) واخذت التسميه من وجود بيت طوبان المشهورين في بيع الباجه الاكله البغداديه العراقيه المشهوره في الكرخ والتي اتسع سيطها الى العراق كله وخارج العراق والتي كان يطبخها ( وحودي ) عبد الواحد في عدة محلات تنقلت اليها باجة ابن طوبان في الكرخ والرصافه .. تؤدي هذه الدربونه الى نهر دجله وهي شريعه للعبور ووقوف الدوب ( ناقلات الحصى والبطيخ والبضائع ) وفيها مرسى للزوارق وهي اكبر شريعه في منطقة الكرخ .
الدرابين : الجواري ،عذيه ، الزنكي ، ابراهيم اليتيم ، الكبل ، رواله ، الكبيسي ،الحاج داوود ، بيت طوبان
والى هنا تنتهي درابين التكارته ونتحول الى دربونة بيت ابو رواله بتفاصيلها البسيطه ..
ملاحظه : لم اذكر دربونة حمام الجعيفر لكونها حسب اعتقادي تتبع محلة الجعيفر ..
تتالف الدربونه من ستة عشر بيتا وهم من يمين الدربونه ثم الاستداره الى اليسار والعوده الى مدخل الدربونه ..
بيت علي الزعيله ، بيت الحاج هادي الحديثي ، بيت الحاجه منيره ، بيت اللوز ، بيت نتال ، بيت يحى ، بيت فالح ابن امونه ويشترك معه في السكن ( مجيد بربر – وام محمود واولادها ) ولفالح ابن امونه ثلاثة اخوه هم طارق وناطق وجاسم ، بيت داود ومحمد شكر ، بيت صبريه... من اليسار على النهر بيت دبو ، بيت كريم الحمد ، بيت حسين الكردي ، بيت الاسطه ، بيت عليه ، بيت البيروتي وجزء منه على شارع السكه ..

 في واجهة الدربونه على طريق السكه على الجهه اليسرى ركن بيت البيروتي وعلى جهة اليمين محلات تبدأ من ركنها وهو محل الحاج محمد العمر ( التتنجي ) الوحيد في المحله ...

وهو صديق مقرب للمرحوم الرئيس عبد السلام محمد عارف حيث كان يزوره بين فترة واخرى وهو معروف ببيع سكائر ( المزبن ) وبيع التبغ للارجيله والى مدخني اللف وبجواره المرحوم مهدي الاوتجي ابو انور وكان كثير المزاح حاضر النكته والطريفه وبجواره المرحوم الحاج عبد الله العطار وهو رجل من رجال الدين وكنا عندما نحتاج قليلا من السكريات كنا نذهب اليه ونقول له صلي على محمد وآله فيعطينا مسقول او حامض حلو..

     

وبجواره بخشي الكببجي وهو ايراني وافد للعراق يقوم بشي الكباب وبجواره هوبي بن غداره ودكانه عباره عن مقهى للمطيرجيه ولديه داخل المحل برج للطيور والجلوس قليلا في داخل المحل والكثير خارج المحل ..
كانت دربونة ابو رواله شريعه فيها زورقين احدهما لمجيد البلام ( مجيد بربر ) ويقال انه من دوله اخرى حيث شكله يشابه الاجانب احمر وعيون ملونه وله بنت واحده هي حميده والاخر محمد شكر ( الملثم ) وكان رحمه الله يغطي وجهه لوجود عيب خلقي او عاهه وكان التنافس شديد بين الشركتين البحريتين في نقل الركاب واجور النقل ولكل منهم زبائنه من موظفي الدوله العابرين الى دوائرهم من مدنيين وعسكرين وكثيرا ما يتم ايقاظهم في اواخر الليل لعبور طارىء مثل المرضى او الحوامل على ابواب الولاده واضافة الى كونها شريعه نقل فانها كانت مكان ملائم للسباحه صيفا واذكر المرحوم الحاج علي شقيق المرحومه الحاجه منيره وهو ينهض فجرا مع بزوغ الفجر ليستحم في نهر دجله بثلاث غطات وبالوزره فقط صيفا وشتاءا وتسمع طقطقة القبقاب عند الفجر وكان رحمه الله عقيدا في الجيش العثماني ويمتلك موهبة الخط العربي الجميل جدا . وقد استشهد يوم الرابع عشر من رمضان 1963 عند قيام الطائرات بقصف وزارة الدفاع بالانقلاب المشهور في شباط 1963 وذلك باطلاقة من رشاش طياره او غيرها والله اعلم ..
من صفات اهل الكرخ يلقبون الاشخاص اما باسماء امهاتهم مثل ابن بهيه او ابن امونه او بعاهه مثل جوقي الاعور وحسن الاعرج او بيت الاعرجي وبيت الاكرع او حمودي الاكرع او باسم حادثه معينه مثل حمدي قامه او علي ماما او جاسم دبنك وغيرها ولذلك كان طبيعيا ان تسمع احدهم ينادي على صديق بهذه الاسماء ..
كانت المحله تمتاز بروح التعاون في الافراح والمسرات وفي الاحزان وكانت النسوه يتكفلن في العزاء والزواج وبدون مقابل مثل المرحومه ام رياض وحسنه الحفافه والجده صالحه  وام عبد صاحبة الحمام وغيرها .
هذه كانت مساكننا ومحلاتنا واهلنا في تلك الفتره ولم يسأل احد منا عن من هو سني او شيعي او كردي او عربي والكل متحابين متضامنين ومتآلفين ..هكذا كان العراق ...

عبد الكريم الحسيني


  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

589 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع