حياة الشباب أيام زمان / الحلقة الأولى

  

      حياة الشباب أيام زمان/ الحلقة الأولى

   

      

      

في كل العصور والازمان يعول دائما على الشباب في مستقبل العائله والبلد والحياة وتطورها ونهضتها ولايستثنى العراق من هذا وبالاخص في عصر النهضه العراقيه وتسارع التقدم التكنولوجي في القرن العشرين ولغرض الاطلاع على جانب من صور الحياة الاجتماعيه التي كان شبابنا في بغداد يعيشها خلال حقبة الخمسينات والستينات والسبعينات اي الفتره المحصوره بحدود ثلاثون عاما والتي كانت من اكثر السنين المليئه بالاحداث والاختراعات والادب والسياسه والمد القومي والشعر والتطور على كافة الاصعده والتغيرات الدوليه والحروب ..

قبل الخوض في تفاصيل الحياة لابد من نظره موجزه على الشباب واوضاعهم الماديه وخلفياتهم الاجتماعيه ودرجة ثقافتهم ووعيهم خلال تلك الفتره والتي تؤثر بشكل كبير على ممارسة نشاطاتهم وحركتهم واهتماماتهم وهنا لابد من تقسيم الشباب حسب اوضاعهم الاجتماعيه /الماديه / الثقافيه ,, وارجو المعذره لكوني لست اختاصا في علم الاجتماع ولكني احكي صورا من الواقع الذي عشته في تلك الحقبه كشاهد عليها وقد صادف ان عايشت كل الطبقات التي سأذكرها ..

   

ينقسم الشباب في بغداد كما هو حال باقي مدن العراق مع خصوصية العاصمه وتطورها وهذا حال الكثير من مدن العالم العربي وغير العربي وقد كانت بغداد في تلك الحقبه الزمنيه اوفر حظا من العديد من المدن في مجال التطور والحداثه والانطلاق والتحرر وتبعا للظروف فأن الشباب ينقسم الى :
1.الفقراء وهم من اصول ريفيه وعماليه ومحدودي الدخل في انحدارهم الطبقي واكثرهم كان بعيدا عن مقاعد الدراسه  اوقد تركها مبكرا ولاسباب عديده منها الحاجه الى الماده وعدم ايمان الاهل بفائدة الدراسه اساسا ومساعدة العائله في الزراعه او العمل والحاجه الى  الحصول على مورد للعائله ,, هؤلاء كانو يشكلون الاكثريه في المجتمع وخاصة في ضواحي بغداد وفي المناطق الشعبيه .. كانت مساكن الفقراء مشتركه ( النزل ) وقديمه وتفتقر الى ابسط مقومات الحياة وخاصة الخدمات الصحيه ..
2.اولاد البرجوازيه الصغيره وهم اولاد الموظفين وصغار التجار واصحاب العقارات المحدوده وصغار الصناعيين والمقاولين واصحاب المهن الحرفيه  والقادرين على التفرغ للدراسه بعيدا عن الضغط المادي او لغرض محاكاة الحاله العامه وهذا ما ستركز عليه المقاله لمحاكاة الحياة في بغداد في تلك الفتره .
3.اولاد الاغنياء والموسرين وهم اولاد التجار والمقاولين والصناعيين واصحاب العقارات وكبار موظفي الدوله والاقطاعيين وهؤلاء كانوا يشكلون عددا محدودا قياسا بباقي الانواع ..
كان العامل المادي هو الفاصل في تصنيف هذه الشرائح وقد نجد حالات محدوده جدا متداخله في كل نوع من الانواع وهنا لابد من الاشاره الى ان هذه الانواع تأثرت بشكل كبير بالعامل المادي في بلورة نهج الحياة والعقليه والسياسه والتطلع والمستقبل ..
لقد شاءت الظروف ان تكون حياتي مع كل التنوعات وبشكل يومي او اسبوعي على الاقل فقد كنت اسكن في منطقه شعبيه هي من اقدم مناطق بغداد واجملها  ( محلة التكارته ) في الكرخ وكانت تضم من النوعين الاول والثاني مع استثناءات محدوده جدا للنوع الثالث وكنت اذهب مع والدي واخوتي الى الباب الشرقي في شركتنا المحدوده للاستيراد والتصدير والتي كانت تتيح لي  الاختلاط مع اولاد الاغنياء من بيت الاورفلي وقندلا ورؤوف والعبدلي والدامرجي وبعض العوائل المسيحيه واليهوديه مثل بيت بطاط وبيت سوراني ومن اخوانا الكورد وغيرهم ,, هذا اتاح لي  ممارسة النشاطات كلها تقريبا بين الفقراء والبرجوازيه والاغنياء..ولاتزال لدي علاقات حميمه مع البعض من الانواع الثلاثه لحد الان ..

  


كنا ونحن صغارالانملك الا نهر دجله نمارس فيه السباحه والصيد  وتجدنا خلال الصيف متواجدين باستمرار على النهر نمارس صيد السمك (با لنتاله) او بواسطة ( الزهر ) وصناعة الزوارق من الصفيح والتفنن في السباحه وعبور دجله يوميا سباحة وممارسة العاب كرة القدم على شاطىء ذاك الصوب ( مدينة الطب حاليا ) ,,

  

كانت العابنا جميله بالرغم من كونها بدائيه ومن صنعنا نحن الاطفال مثل ( العربات الخشبيه / البلبل والحاح /الدعبل / الطيارات الورقيه وغيرها )

         

ولازلت اذكر يوم اشترى لي اخي الحاج عبد الجبار و المرحوم عبد الوهاب دراجه من نوع ( فليبس) حمراء اللون وكانت تعادل في ايامنا هذه سياره فاخره نادره  وكانت حديث واهتمام الاصدقاء من اولاد المحله  وهي تدخل لاول مره في زقاق المحله ولم يمضي عليها بضعة اشهر حتى اتحفوني  بسياره صغيره تقاد بتحريك الارجل وكل ذلك كان بسبب صداقتهم وجيرتهم مع الحاج احمد الصباغ صاحب اول واكبر مزاد في بغداد ..

  

وفي الجانب الاخر مع الاغنياء كان اللعب مختلف فلديهم سيارات صغيره تسير بالارجل وسيارات لعب تدفع باليد وقطارات تدور على سكه وكان بعضهم يحمل الخادم العابه وراءه ولباسهم كان مختلفا فقد كنا في مناطقنا الشعبيه نلبس الدشداشه اما البنطرون والقميص للمدرسه فقط ولااحد يرتدي الشورت اما الجانب الاخر فكان الاكثريه في الشورتات والقمصان والاحذيه الرياضيه البيضاء والحق يقال فقد كانوا يأنسون الى الفقراء كثيرا وقد يكون بسبب عدم امتلاك الفقراء لما لديهم وابداء الاهتمام .

         

كنا شهودا على معونة الشتاء وحصة الفقراء في مدرستنا التي كانت توزعها كل شتاء وهي بدله مع قميص وحذاء وبعض الملابس الداخليه وكنا شهود على التغذيه المدرسيه وكان يوزع علينا الحليب وشربه اجباري مع حبوب زيت كبد الحوت ( دهن السمك ) وبعضا من التمر والصمون والبرتقال احيانا ...

   

وكنا شهود على مقتل الملك فيصل الثاني ومقتل نوري سعيد ومقتل عبد الكريم قاسم وعبد السلام واخرين كثررحمهم الله  في بحر العراق الهائج .

        


كبرنا وبدأنا نفهم السياسه والثوريه وغادرنا مجلة سمير الى مجلات اكثر حيويه مثل الموعد والشبكه والرياضه ومجلة العالم وامريكا والحياة واذكر اني قرأت  قصص اجنبيه مترجمه مثل ( البؤساء / ذهب مع الريح / الشيخ والبحر/ الفرسان الثلاثه / انا كارنينا  ) وانا في الصف الثالث المتوسط ولم تكن قصه لاجاثا كرستي او موريس لبلان كاتب مسلسل ارسين لوبين الا وقد قرأناها والافلام الاجنبيه وخاصة رعاة البقر والتاريخيه  واشتركنا بالمظاهرات وتشاجرنا مع المظاهرات المخالفه لنا ولانعلم ماهو الخلاف وهتفنا ولم نكن نعلم معنى الهتاف سوى كون الكبار فينا هتفوا به واعتقل الكثير منا وتعرضنا للمضايقات والتفتيشات وفشل منا الكثير وغادر مقاعد الدراسه واخرين استمروا حتى بتنا شبابا يانعا على ابواب البلوغ لسن الرشد وبدأت الحياة تتغير في اعيننا....

             

ولايفوتني مغامرات الحب عن بعد والغزل البريء والعشق الممنوع وقد غادرنا كل ذلك الى مرحلة الشباب ونحن في الستينات من القرن العشرين ومرت علينا الاحداث الجسام كلها فقد شهدنا انهاء الحكم الملكي وخرجنا هاتفين واسقطنا الجنرال مود من على حصانه واحتربنا مع الشرطه مرة اخرى ومع الاخرين وشهدنا شباط وتشرين وما حدث وانتقلنا الى حياة اخرى ..
كانت هذه الحقبه مليئه بالاحداث الجسام وخاصة السياسيه والتي كانت تؤثر سلبا وايجابا في نفوسنا كطلبه باعمار المراهقه فقد كانت تصرفنا عن الدراسه وفي نفس الوقت تنمي فينا الوطنيه والقوميه وتعرفنا السياسه والالتزام وكنا نعشق العسكريه ونرى فيها رمز الرجوله والقوه والوطنيه .

           

كانت حياتنا في تلك المرحله محصوره في ازقة المحله والمدرسه والسينما ومجلات الاطفال وسوق السراي والقصص وتربية الطيور والسباحه والرياضه وخاصة كرة القدم ..
كان اولاد الاغنياء وكنت لابد ان اماشيهم لاني لااجد مناص من ذلك لغرض الاشتراك معهم في العابهم وفي تلك الفتره شهدت معهم افتتاح ساحة ( السكيتنك ) في منتزه ( بارك السعدون ) وكانت الفتيات والشبان يمارسون التزحلق فيها مع بعض الاجانب والعوائل تجلس على مساطب في البارك واكشاك البيع وبراميل النفايات والعشب الاخضر والاراجيح والنظافه والاهتمام  وتذكرت ذلك في احدى سفراتي الى اوربا وقلت لنفسي في حينها نحن كنا كذلك قبل اكثر من خمسين سنه وتذكرت امين بغداد وحال بغداد اليوم .
وكانت الفروض والواجبات الدينيه تحظى بمكان مهم في حياتنا وبالرغم من محدودية المحله وصغر حجمها الاانها كانت تحتوي على عدد كبير من المساجد والملالي وكان الالتزام عالي في هذه الناحيه التربويه المهمه وكانت مدرستنا الوحيده التي يتواجد فيها مسجد تقام به صلاة الظهر والعصر للطلاب وباقي الصلوات لعموم الناس ..

        

كنا في مرحلة المراهقه والشباب وهي اصعب مراحل العمر لم نفقد فيها توازننا وظل الاحترام والتوقير للكبير وللناس وكنا نتمسك بالعيب والحياء والالتزام وحب البلد والاسره والحميه ولم نغادر الاخلاق وكان للجار حقوق وللفتاة حقوق وللشيخ والعجوز حقوق وكنا نترك مجلسنا في باص المصلحه لتجلس فيه امرأه او شيخ او كبير السن او مريض هكذا كانت تربيتنا واخلاقنا ..
والى اللقاء في الحلقه القادمه
عبد الكريم الحسيني

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

874 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع