عبد الوهاب البياتي: الشاعر المنسي.......

           

  

            

   

         
 
عبد الوهاب البياتي واحد من أهمِّ الشعراء العرب المعاصرين، ولد في العراق عام 1926، وتعرّف إلى العالم من خلال الحيّ الذي عاش فيه بالقرب من مسجد الشيخ عبد القادر الكيلاني في بغداد، وفي عام 1944 التحق بكلية دار المعلمين ببغداد وتخرج منها عام 1950، حاملاً درجة الليسانس في اللغة العربية وآدابها.

عام 1954 اشترك في تحرير مجلة 'الثقافة الجديدة'، وما لبث أن فُصِلَ من وظيفته عشية دخول العراق إلى حلف بغداد، ثم اُعتِقل في معسكرات الاعتقال السعيدية نسبة إلى (نوري السعيد) ثم أُفرج عنه وغادر بغداد إلى دمشق ثم إلى بيروت فالقاهرة التي عمل فيها محرراً في جريدة 'الجمهورية' القاهرية عام 1956، رجع عبد الوهاب البياتي إلى العراق بعد ثورة 14 تموز/يوليو 1958 لفترة قصيرة، عُيِّن بعدها مُلحقاً ثقافياً في موسكو في سفارة جمهورية العراق وأقام في الاتحاد السوفييتي السابق من 1959- 1964. بعد ذلك لجأ إلى القاهرة حيث ترك العمل بالسفارة واشتغل بعد ذلك أستاذاً في جامعة العلوم السوفييتية من 1959 الى 1964. وكانت قد صدرت له عام 1963 مسرحية شعرية بثلاثة فصول عنوانها 'محاكمة في نيسابور'.
كان عبد الوهاب الصبي والمراهق والشاب، إنساناً مستوحشاً بطبيعته، يميل إلى العزلة بشكل مبالغ فيه لا أصدقاء لديه أكثر من صديق أو اثنين. هو إنسان صامت لا تهمه شؤون الغير، ولا يستطيع أن يتجاوب معها. لم يكن ذا نفسية متفتحة أبداً، وغالباً ما يبقى صامتاً ساعات وساعات لا يتفوّه بكلمة، إلاّ أنّه بعد أن سافر والتقى بأدباء عرب وأجانب، أصبح نسخة أخرى من عبد الوهاب البياتي الشاب، فذلك الركون إلى الصمت صار انطلاقاً في حديث متشعب ومثير وممتع، وتلك القناعة بالعزلة تحولت إلى اهتمام كبير بالتجمعات الأدبية واللقاءات الشخصية وإلى تعطش محرق إلى الظهور الشعبي.

            

يقول البياتي لقد كانت نشأتي دينيّة ولكنها لم تكن بالمعنى التقليدي، إذ إنَّ التربية الدينية أثارت في داخلي الأسئلة المحرقة، وأشعلت كياني بالشوق إلى التخطّي الزمني، وما كان أبدياً لم أكن ألمسه بحواسي، بل مجرد أصوات غامضة تتردد في جوف ليل لا نهاية له.
يقول عبد الوهاب البياتي:

'في امتداد شارع الگيلاني الذي يتصل بشارع الرشيد كان هناك مسجد الخلاني وكان يضم مكتبة كبيرة جداً تضم مختلف الكتب، حتى الحديثة مثل مؤلفات طه حسين وأشعار شوقي والرصافي، عشرات الأدباء العراقيين والعرب، وقد هداني إلى هذه المكتبة صديق العمر الكاتب القصصي الراحل غائب طعمة فرمان فذهبت معه لأول مرة وطلبت استعارة كتاب الأيام لطه حسين ج1.

                                       
لم يكن البياتي أكثر من شاعر رومانسي، متأثر إلى حد كبير بالأخطل الصغير وببعض الشعراء المهجريين. وعلى مدى أكثر من خمسة وأربعين عاماً قدّم الشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي عشرين ديواناً. بدءاً من (ملائكة وشياطين) حتّى (بساتين عائشة) أثرى بها تجربة الشعر العربي والعالمي. وأوصل من خلالها صوت القصيدة العربية المعاصرة إلى أبعد نقطة في الأرض يمكن أن يصل إليها الشعر.
إنّ البياتي الذي غلب عليه طابع الترحال والهجرة القسرية وقف من خلال شعره الإنساني ضد التمييز والاستغلال والتمييز العرقي والطائفي، شأنه شأن أغلب الشعراء في العالم.

   
والبياتي أكثر الشعراء تأففاً. على أيّة حال يبدو إنّ كل دراسة لشعر البياتي، لابدّ لها أن تأخذ بالحسبان أمرين في غاية الأهمية على ما يبدو: إنه تأثر برومانسية الشعر اللبناني دون غيره في بداية تكونه الشعري.
يصف البياتي بيئته الأولى التي قال عنها:

   

(لقد بدأت معرفتي بالعالم في الحي الذي نشأت فيه ببغداد بالقرب من مسجد الشيخ عبد القادر الگيلاني وضريحه.. كان الحي يعجُّ بالفقراء والمجذوبين والباعة والعمال والمهاجرين من الريف والبرجوازيين الصغار، كانت هذه المعرفة هي مصدر ألمي الكبير الأول).
كانت نبرات ديوانه (ملائكة وشياطين) يافعة وطازجة وحادة، وكان البياتي قاطعاً حاسماً.
في سنة 1954، كان ديوان (أباريق مهشمة) جاهزاً، وكان نشره يمثل لحظة الانطلاق الحقيقية الأولى لمسيرة عبد الوهاب البياتي الشعرية، بعد ذلك في سنة 1955 غادر عبد الوهاب البياتي العراق إلى بيروت، تاركاً كلَّ شيءٍ خلفه، مدركاً أنَّ المناخ الشعري العربي آنذاك يصطخب بأمواج عالية من الاتجاهات الأدبية والفكرية، وبأنَّ عليه وقد أمسك بذاته أن يرتقي موجة أو أكثر من تلك الأمواج من أجل أن تفتح له الشهرة أبوابها، لم يكن ملاحقاً من السلطة حين ترك العراق ولم يصدر عليه حكم بالإعدام، كما ظنَّ الشاعر التركي ناظم حكمت، لقد غادر العراق بمحض إرادته هاجراً عائلته ووظيفته وأصدقاءه مصمماً على بناء مصيره وتشييد أسطورته الشخصية بكل ما تحمل هذه الفكرة من دلالات وعذاب ومتناقضات.

       

وما بين بيروت وموسكو والقاهرة، ومن خلال دواوينه اللامعة، (النار والكلمات) و(سفر الفقراء والثورة) و(المجد للأطفال والزيتون) و(الذي يأتي ولا يأتي) و(أشعار في المنفى) و(الموت في الحياة)،
كان عبد الوهاب البياتي مملوكاً لأعماقه السفلى السوداء التي تحتوي على طاقة شعرية لا تنضب، تعبر عن ذاتها في الوقت الذي تشاء.
البياتي من أكثر رواد الشعر الجديد إغراءً للناشئين على الالتحاق بموكب التجديد الذي لا يتناقض مع قواعد المسلمات الراسخة لكتابة الشعر. لقد أثرى البياتي الشعر العربي، وهو بذلك لم يكن واحداً من شعراء النصف الثاني من القرن العشرين، وإنما من قياداته الأدبية أيضاً.

                                                   
انشغل البياتي في دواوينه الأولى بعرض مشاهد بصرية يجمع بينها في قصيدته تلقائياً ليشكل صورة أو لوحة تسرد مضمونها بدون حضور الشاعر فيها ولا يظهر له وجود إلاّ في ترتيب جزئياتها ليوحي بما يريد قوله... لقد وجد البياتي في القرية مكاناً نموذجياً للتمثيل على الظلم والفقر وبؤس البشر، ومسرحة أو أفلمة الفكرة الاجتماعية بجدارة.. فأخذ سوقها مثالاً يجمع في فضائه تلك المشاهد المؤثرة، وليهجو المدينة في إحدى الموتيفات المصوَّرة لعائدين منها يصفونها بالوحش الضرير! فكانت القصيدة كما وصفها إحسان عباس في 'اتجاهات الشعر العربي المعاصر'؛ '.. تجربة جريئة ونتاج تيارات مختلفة.. توازي بين المنظور والمسموع'.
لم يكن البياتي شاعر مرحلة معينة من مراحل التاريخ العربي، بل كان شاعراً لكل المراحل. ورحل عنها بعد ذلك إلى العالم الآخر في شهر آب (اغسطس) 1999 حيث دُفِن في دمشق في مقبرة الغرباء بالسيدة زينب، رحل من دون أن يرى ما حلّ ببغداد العاصمة التي كان لها وجود كبير في أشعاره. لم يرَ اللصوص يسرقون كنوز بغداد لم يرَ الشعب العراقي كيف أصبح حاله... رحل ولم يشاهد فهنيئاً له.

   


مؤلفاته:

1- ملائكة وشياطين - شعر - بيروت 1950.

2- أباريق مهشمة - شعر - بغداد 1954.

3- المجد للأطفال والزيتون - شعر - القاهرة 1956.

4- رسالة إلى ناظم حكمت وقصائد أخرى - شعر - بيروت 1956.

5- أشعار في المنفى - شعر - القاهرة - 1957.

6- بول ايلوار مغني الحب والحرية - ترجمة مع أحمد مرسي - بيروت 1957.

7- اراجون شاعر المقاومة- ترجمة مع أحمد مرسي- بيروت 1959.

8- عشرون قصيدة من بريلن - شعر - بغداد 1959.

9- كلمات لا تموت - شعر - بيروت 1960.

10- محاكمة في نيسابور- مسرحية - بيروت 1963.

11- النار والكلمات - شعر - بيروت 1964.

12- قصائد - شعر - القاهرة 1965.

13- سفر الفقر والثورة - شعر - بيروت 1965.

14- الذي يأتي ولا يأتي - شعر - بيروت 1966.

15- الموت في الحياة - - شعر - بيروت 1968.

16- عيون الكلاب الميتة - شعر - بيروت 1969.

17- بكائية إلى شمس حزيران والمرتزقة - شعر - بيروت 1969.

18- الكتابة على الطين - شعر - بيروت 1970.

19- يوميات سياسي محترف - شعر - بيروت 1970.

20- تجربتي الشعرية بيروت 1968.

21- قصائد حب على بوابات العالم السبع- - شعر - بغداد 1971.

22- كتاب البحر - شعر - بيروت 1972.

23- سيرة ذاتية لسارق النار- - شعر - بيروت 1974.

24- قمر شيراز - شعر - بيروت 1978.


  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

618 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع