بدر شاكر السياب الشاعر المتمرد

  

           بدر شاكر السياب الشاعر المتمرد

  

           

                  إعداد وإشراف المهندسة/ إيمان البستاني

                          

بدر شاكر السياب (25 ديسمبر 1926 - 24 ديسمبر 1964)، شاعر عراقي يعد واحداً من الشعراء المشهورين في الوطن العربي في القرن العشرين، كما يعتبر أحد مؤسسي الشعر الحر في الأدب العربي

حياته
ولد الشاعر بدر شاكر السياب عام 1926 في قرية جيكور، قرب مدينة البصرة جنوب العراق،والده: شاكر بن عبد الجبار بن مرزوق السياب، ولد في قرية (بكيع) توفي في 7/5/1963 ،والدته: هي كريمة بنت سياب بن مرزوق السياب، توفيت في العام 1932 وكان بدر حينها في السادسة من عمره
          

منزل السياب  كان بدر يلعب مع أصدقائه فيشاركه أخواه الأصغران. وكان الأماكن المحببة للعبهم بيت واسع قديم مهجور يدعى (كوت المراجيح) باللهجة المحلية ،إذا معنى (المراجيح) المراقيق أي الرقي أو العبيد

وقد دعاه بدر في شعره فيما بعد (منزل الأقنان) كانوا يلعبون في فنائه بالقفز على مربعات ودوائر تخطط على الأرض وما شابه ذلك من العاب القفز، واكن يلذ لهم كذلك أن يرووا عنه قصص الأشباح. وقد جعله بدر مقرا لجريدة خطية كان يصدرها مدة باسم (جيكور) تتناقلها أيدي صبيان القرية، ثم تعود في ختام المطاف لتجد محلها على الحائط في غرفة الإدارة

وتشمل ذكرياته أقاصيص جده - على نحو مبهم- وقصص العجائز من عمة وجدة وغيرهما، و من أقاصيصهما حكاية عبد الماء الذي اختطف زينب الفتاة القروية الجميلة، وهي تملأ جرتها من النهر، ومضى بها إلى أعماق البحر و تزوجها، و أنجبت له عددا من الأطفال، ثم رجته ذات يوم أن تزور أهلها، فأذن لها بذلك، بعد أن احتفظ بأبنائه ليضمن عودتها، و لكنها لم تعد, فأخذ يخرج من الماء ويناديها ويستثر عاطفتها نحو الأطفال، و لكنها أصرت على البقاء، و أخيرا أطلق أهلها النار على الوحش فقتلوه، أما الأطفال فتختلف روايات العجائز حول مصيرهم

كذلك تشمل ذكرياته لعبه على شاطئ بويب، وهو لا يفتأ يذكر بيتا في بقيع يختلف عن سائر البيوت، في أبهائه الرحبة، وحدائقه الغناء، ولكن اشد ما يجذب نظره في ذلك المنزل الإقطاعي تلك الشناشيل، وهي شرفة مغلقة مزينة بالخشب المزخرف و الزجاج الملون
غير أن الشاعر حين يتحدث من بعد عن بيت العائلة في جيكور فإنما يعني البيت الذي ولد فيه وعاش فيه سنوات طويلة في ظل أمه، وقضى فترات متقطعة من صباه وشبابه الباكر في جنباته، وهكذا ينبسط اسم (جيكور) على القريتين إذا ليست بقيع في واقع الحال الا حلة من جيكور

ولابد لنا من أن نشير إلى أن بعض الصحفيين زاروا هذا البيت في عام 1965 وكان مما قالوه في وصفه : البيت قديم جدا وعال، وقد تحللت جذور البيت حتى أصبحت كأسفل القبر، والبيت ذو باب كبير كباب حصن كتب عليه بالطباشير اسم ؛ عبدالمجيد السيابوهو الذي يسكن في الغرفة الوحيدة الباقية كان البيت قبل عشر سنين يموج بالحركة والحياة، أما سبب هجر عائلة السياب لهذا البيت أو بالأحرى لجيكور فهو بسبب ذهاب الشباب إلى المدن بعد توظيفه"
 وبعد إذ أتمّ دروسه الابتدائية انتقل إلى البصرة وتابع فيها دروسه الثانوية، ثم انتقل إلى بغداد حيث التحق بدار المعلمين العالية، واختار لتخصصه فرع اللغة العربيّة وقضى سنتين في تتبّع الأدب العربي تتبّع ذوق وتحليل واستقصاء؛ وفي سنة 1945 انتقل إلى فرع اللغة الانكليزية وتخرّج منه سنة 1948، وفي تلك الأثناء عُرف بميوله السياسية اليسارية كما عُرف بنضاله الوطني في سبيل تحرير العراق من النفوذ الانكليزي، وفي سبيل القضية الفلسطينية. وبعد أن أُسندت إليه وظيفة التعليم للغة الانكليزية في الرمادي، وبعد أن مارسها عدة أشهر فُصل منها بسبب ميوله السياسية وأودع السجن. ولمّا رُدّت إليه حريته اتجه نحو العمل الحر ما بين البصرة وبغداد كما عمل في بعض الوظائف الثانوية، وفي سنة 1952 اضطُر إلى مغادرة بلاده والتوّجه إلى إيران فإلى الكويت، وذلك عقب مظاهرات اشترك فيها
وفي سنة 1954 رجع الشاعر إلى بغداد ووّزع وقته ما بين العمل الصحافي والوظيفة في مديرية الاستيراد والتصدير

              

ولكن الذي يظهر من خلال سيرة السيّاب أنه لم يأنس ولم يتكيّف في المدينة (بغداد) بل ظل يحنّ إلى قريته التي ولد فيها (جيكور)، وقد أشار إلى ذلك الأديب الفلسطيني إحسان عباس حيث قال: « وأما السياب فإنه لم يستطع أن ينسجم مع بغداد لأنها عجزت أن تمحو صورة جيكور أو تطمسها في نفسه (لأسباب متعددة) فالصراع بين جيكور وبغداد، جعل الصدمة مزمنة، حتى حين رجع السياب إلى جيكور ووجدها قد تغيرت لم يستطع أن يحب بغداد أو أن يأنس إلى بيئتها، وظل يحلم أن جيكور لا بد أن تبعث من خلال ذاته
ونلمح ذلك في قصيدته التي تعبّر عن شدة اشتياقه وحبه لقريته حيث يقول
آه جيكور، جيكور؟
ما للضحى كالأصيل
يسحب النور مثل الجناح الكليل
ما لأكواخك المقفرات الكئيبة
يحبس الظل فيها نحيبه
أين أين الصبايا يوسوسن بين النخيل
عن هوى كالتماع النجوم الغريبة؟
أين جيكور؟
جيكور ديوان شعري
موعد بين ألواح نعشي وقبري

   
    

وعندما ثار عبد الكريم قاسم على النظام الملكي وأقام في 14 تموز سنة 1958 النظام الجمهوري كان بدر شاكر السياب من المرحبين بالانقلاب والمؤيدين له، وقد انتقل من وظيفته إلى تدريس الانكليزية، وفي سنة 1959 انتقل من وظيفة التعليم إلى السفارة الباكستانية يعمل فيها؛ وبعدما أعلن انفصاله من الحزب الشيوعي عاد إلى وظيفته في مديرية الاستيراد والتصدير، ثم انتقل إلى البصرة وعمل في مصلحة الموانئ
   

                                    بدر شاكر السياب مع ابنه البكر غيلان

في سنة 1962 أُدخل مستشفى الجامعة الأميركية ببيروت للمعالجة من ألم في ظهره، ثم عاد إلى البصرة وظلّ إلى آخر يوم من أيام يصارع الآلام إلى أن توفي سنة 1964



                         


شخصيته
كان بدر شاكر السياب ضئيلاً، ناحل الجسم، قصير القامة. وصفه إحسان عباس بقوله:
غلام ضاوٍ نحيل كأنه قصبة، رُكب رأسه المستدير، كأنه حبة الحنظل، على عنقٍ دقيقة تميل إلى الطول، وعلى جانبي الرأس أُذنان كبيرتان، وتحت الجبهة المستعرضة التي تنزل في تحدّب متدرّج أنف كبير يصرفك عن تأمله أو تأمل العينين الصغيرتين العاديتين على جانبيه فم واسع، تبرز الضبة العليا منه ومن فوقها الشفة بروزاً يجعل انطباق الشفتين فوق صفَّي الأسنان كأنه عمل اقتساري وتنظر مرة أخرى إلى هذا الوجه الحنطي، فتدرك أن هناك اضطراباً في التناسب بين الفك السفلي الذي يقف عند الذقن كأنه بقيّة علامة استفهام مبتورة وبين الوجنتين الناتئتين وكأنهما بدايتان لعلامتي استفهام أُخرَيَيْن قد انزلقتا من موضعيهما الطبيعيَّيْن
 هذا من الناحية الخَلقيّة. أما من الناحية الخُلقيّة فبدر شاكر السيّاب رجل الحرمان الذي أراد الانتقام لحرمانه من الناس والزمان، فانضوى إلى الشيوعية لا عن عقيدة فلسفية بل عن نقمة اجتماعية، وراح يطلب فيها ما لم يجد في بيئته من طمأنينة حياتية، كما مال إلى الشرب والمجون يطلب فيهما الهرب من مرارة الحياة والذهول عن متاعبها؛ وكان إلى ذلك مفرط الحساسية يشعر بالغربة ولا يجد له في المجتمع مُستَقَراً، وينظر إلى الوجود من خلال غربته النفسيّة ومن خلال فرديّته التي كانت تحول دون اندماجه في المجتمعات التي عاش فيها؛ وقد حاول أن يجد في المرأة ما يزيل من نفسه شبح الغربة فخاب أمله ونقم على المرأة ورأى أنها تقود الرجل إلى الهاوية؛ وكان من أشدّ الناس طموحاً، ومن أشدّهم ميلاً إلى الثورة السياسية والاجتماعية، ولكن تقلُّبات الأحوال والأيّام وصراعات الشعوب والحكّام ملأت نفسه اشمئزازاً، أعانه على ذلك ميل في أعماقه إلى التشاؤم، وعُقد نفسية وأمراض ونكبات زادته نقمةً وحدّةً وهياجاً
                                     
الأستاذ فيصل الياسري
عُرف عن السيّاب حبه الشديد للمطالعة والبحث، وقراءة كل ما يقع بيده من كتب وأبحاث على اختلاف مواضيعها، وقد أشار الى ذلك صديقه الأستاذ فيصل الياسري حيث يقول: «وكان السياب قارئاً مثابراً فقد قرأ الكثير في الأدب العالمي والثقافة العالميّة، كما أنه قرأ لكبار الشعراء المعاصرين قراءة أصيلة عن طريق اللغة الانكليزية التي كان يجيدها . وكان يقرأ الكتب الدينية كما يقرأ الكتب اليسارية !! » ويستمر الياسري في وصفه للسياب ليكشف لنا بعضاً من صفاته التي لا يعرفها إلا القليل: « وكذلك السيّاب على ما أذكر لم يكن كثير الكلام، ولكنه كان يفتخر أنه من البصرة؛ المدينة التي أنجبت الأخفش وبشار بن برد والجاحظ وسيبويه والفرزدق وابن المقفع. ..والفراهيدي واضع عروض الشعر

                                 

أدبه
لبدر شاكر السيّاب ديوان في جزءين نشرته دار العودة ببيروت سنة 1971، وجمعت فيه عدة دواوين أو قصائد طويلة صدرت للشاعر في فترات مختلفة:
 أزهار ذابلة (1947)،
 وأساطير (1950)،
 والمومس العمياء (1954)،
والأسلحة والأطفال (1955)،
 وحفّار القبور،
 وأنشودة المطر (1960)،
 والمعبد الغريق (1962)،
 ومنزل الأقنان (1963)،
 وشناشيل ابنة الجلبي (1964)،
 وإقبال (1965).
ويُذكر للشاعر شعر لم ينشر بعد, وهو ولا شكّ من أخصب الشعراء، ومن أشدّهم فيضاً شعريّاً، وتقصيّاً للتجربة الحياتيّة، ومن أغناهم تعبيراً عن خلجات النفس ونبضات الوجدان

        

                                  السياب في بيروت/ 1957

مراحل شعر السياب
كان السيّاب شاعراً فذّاً اصطبغ شعره بصبغة الأطوار التي تقلّبت فيها حياته المعاشيّة والاجتماعية والفكريّة. عصَره الألم في شبابه، وشعر بالغربة القاسية وهو في بيت أبيه، كما شعر بها وهو في بيئته؛ ولم يجد قلبه الشديد الحساسيّة مَن يخرجه من أتون آلامه، ولم يجد في طريقه فتاة أحلامه، تلك الفتاة التي يسكب روحه في روحها، فتنتشله من أحلامه وأوهامه، وتُغرقه في عالمٍ من الحنان والرقة؛ ورافق ذلك كله تتبّع فكريّ وعاطفي لحركة الرومانطيقية التي شاعت في أوربّة والتي ازدهرت في بعض الأقطار العربيّة ولاسيّما لبنان المقيم والمهاجر، فاندفع في تلك الحركة، وراح في قصائده الأولى يداعب شجونه في جوّ من الضبابية اليائسة، وفي انحطام لا يخلو من نبضات ثورية حالمة، وراح يناجي الموت، وينظر إلى مصيرة نظرة اللوعة والإرنان، ويهوي في لجة عالمه المنهار
لا تزيديه لوعة فهو يلقاك .... لينسى لديك بعض اكتئابه
قربي مقلتيك من قلبي الذاوي .... تري في الشحوب سر انتحابه
وانظري في غضونه صرخة اليأس .... وأشباح غابر من شبابه
لهفة تسرق الخطى بين جفنيه .... وحلم يموت في أهدابه       
 تلك كانت المرحلة الأولى من مراحل شعر السيّاب؛ أما المرحلة الثانية فهي مرحلة الخروج من الذاتية الفرديّة إلى الذاتية الاجتماعية، وقد انطلق الشاعر، في نزعته الاشتراكيّة ورومنطيقيّته الحادة، يتحدث عن آلام المجتمع وأوصاب الشعب، ويُهاجم الظلم في أصحابه، ويُصوّره في (حفار القبور) مارداً جشعاً يرقص على جثث الموتى ويتغذى جشعه بأرواحهم ويقول
واخيبتاه! ألن أعيش بغير موت الآخرين؟
والطيبات: من الرغيف، إلى النساء، إلى البنين
هي منة الموتى عليّ. فكيف أشفق بالأنام!؟
فلتمطرنهم القذائف بالحديد و بالضرام       
 وبعد هذه المرحلة نرى السيّاب ينزع نزعة (الواقعية الجديدة) - على حدّ قوله - ويعمل على تحليل المجتمع تحليلاً عميقاً، وعلى تصويره تصويراً واقعيّاً فيه من الحقائق الحياتية ما يستطيع الشاعر ادراكه بنفاذ بصره وقوة انطباعيته.
 
                                                

وقد امتاز بدر في هذه الفترة من حياته بنزعته القوميّة العربيّة وذلك بعد تركه للحزب الشيوعيّ، وقد بدأت بوادر ذلك في رسائله التي كان يكتبها لأصدقائه ففي الرسائل المبكرة بين الدكتور سهيل إدريس والسياب أوضح صاحب الآداب للشاعر انه قطع على نفسه العهد " بخدمة المجموعة العربية وأدبها السائر نحو النور "  وكان توجيها للشاعر في الطريق الجديد، ولهذا جاءت الرسائل تحمل نغمة جديدة لم نكن نسمعها مثل: " اننا نؤمن بالإنسانية وبالأمة العربية لا بأشخاص بذاتهم ولا بحزب سياسي بذاته " ومثل: " أن النصر لنا ولأمتنا "، ومن ذلك: " أرجو؟. أن أوفق إلى إرضاء قراء مجلتنا القومية الشريفة " وما أشبه ذلك وراح السيّاب يصوّر واقع بلاده الأليم ويحلم لها بمستقبل تزدهر فيه حرة، متطورة، ينقلب فيها الجهل إلى نور، والجمود إلى حركة، والتزمت إلى انفتاح
يرى بعض الباحثين إن السياب تأثر بشعراء عرب وأجانب في مراحل تطور تجربته الشعرية وبخاصة في الخمسينيات "في مرحلة الالتزام الماركسي وما تلاها" ناقلاً عن السيّاب قوله إنه يحب البريطانيين وليام شكسبير وجون كيتس.
 
  

وذكر أن السيّاب كان يقول: «وأكاد أعتبر نفسي متأثراً بعض التأثر بكيتس من ناحية الاهتمام بالصور بحيث يعطيك كل بيت صورة، وبشكسبير من ناحية الاهتمام بالصور التراجيدية العنيفة. وأنا معجب بتوماس إليوت.. متأثر بأسلوبه لا أكثر… ولا تنس دانتي فأنا أكاد أفضّله على كل شاعر.» ويقول هذا الباحث : إن السياب ذكر عام 1956 أن البحتري "أول شاعر تأثر به ثم وقع تحت تأثير الشاعر المصري علي محمود طه (الذي توفي عام 1949) فترة من الزمن وعن طريقه تعرف على آفاق جديدة من الشعر حين قرأ ترجماته للشعراء الإنجليز والفرنسيين." ويتطرق هذا الناقد إلى تأثر السيّاب بكل من أبي تمام والبريطانية سيتويل وينقل عنه قوله: «حين أراجع إنتاجي الشعري ولا سيّما في مرحلته الأخيرة أجد أثر هذين الشاعرين واضحاً فالطريقة التي أكتب بها أغلب قصائدي الآن هي مزيج من طريقة أبي تمام وطريقة إديث سيتويل».


    

ولطالما أشاد السياب بالشاعر العراقي المعروف محمد مهدي الجواهري (1899-1997) الذي كان يلقب (متنبي العصر) واعتبره "أعظم شاعر" في ختام النهج التفعيلي للشعر العربي
تروعك في شعر السيّاب تلك الثروة الفكرية، وتلك الغزارة المعنوية، وذلك التلاحق الهائج المائج في تدفّقه الذي يجمع الصّخب إلى التغلغل في طوايا النفس؛ وذلك العصف الفكري والعاطفي المرهَق، ثم تلك الواقعية اللفظية الضارية، والإلحاح على المشهد المثير واللفظة المعبّرة عن الثورة الحياتية المتفجرة، ثم أخيراً تلك الرمزية التصويرية تستعين بالميثولوجيا والإشارات التاريخيّة التي تزيد الكلام حدّةً وبُعد آفاق
وهكذا فالسيّاب شاعر التحرُّر وشاعر الحياة والعنفوان
ويمثل شعر بدر أهم الاتجاهات الشعرية التي عرفها عصره، وكانت له حصيلة واسعة من الموروث الشعري الكلاسيكي، بالإضافة إلى ترجماته لمختارات من الشعر العالمي إلى العربية
بدأ بدر كلاسيكياً، ثم تأثّر برومانسية أبي شبكة من لبنان وبودلير من فرنسا، لكن إضافاته الشعرية وإنجازاته بدأت بشعره الواقعي، ولاسيما قصائد حفّار القبور؛ المومس العمياء؛ الأسلحة والأطفال. وشعر بدر التّموزي أبدع ما ترك من آثار، لاسيما ديوان أنشودةّ المطّر، ففيه نماذج كثيرة للقصيدة العربية الحديثة، التي توفر فيها شكل فني حديث متميّز، ومضمون اجتماعي هادف في آن واحد، ومن أشهرها أنشودة المطر، ومدينة السندباد؛ والنهر والموت؛ وبروس في بابل؛ وقصيدة المسيح. وتعد قصيدتاه: أنشودة المطر؛ وغريب على الخليج صوتاً مميزاً في الشعر العربي الحديث، وفيهما يظهر صوته الشعري المصفى وقدرته الإبداعية العميقة. يقول مطلع أنشودة المطر
عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
أو شُرْفَتَان راح ينأى عنهما القمر
عيناك حين تبسمان تورق الكروم
وترقص الأضواء كالأقمار في نهر
يَرُجّه الجذّاف وَهْناً ساعةَ السحر
وتبلغ القصيدة ذورتها في قوله
أتعلمين أي حزن يبعث المطر
وكيف تنشج المزاريب إذا انهمر
وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع
بلا انتهاء ـ كالدم المراق، كالجياع
كالحب، كالأطفال كالموتى ـ هو المطر       
 وأما غريب على الخليج التي تصور معاناة السياب الحقيقية مع المرض، ويرجّح أنها آخر ماكتبه من شعر، فتشف عن رؤية تمور بشوق عارم لوطنه العراق وخشيته الموت بعيداً عن أرض هذا الوطن، وهي مثال لشعر الاغتراب في الأدب العربي. يقول في مقطع منها
   ليت السفائن لاتقاضي راكبيها عن سفار
أو ليت أن الأرض كالأفق العريض بِلا بِحَار
مازلت أحسب يانقود، أعدكن وأستزيد
مازلت أنقص، يانقود، بكن من مدد اغترابي
مازلت أوقد بالتماعتكن نافذتي وبابي
في الضفة الأخرى هناك فحدثيني يانقود
متى أعود، متى أعود
واحسرتاه… فلن أعود إلى العراق       
 وشعر السياب فيه جزالة وصحة في التراكيب ومحافظة على الوزن، فهو مع ريادته للتجديد في الشكل لم يترك الوزن الشعري أو يتحرر من القافية: وكان ذلك من أسباب فحولته بين الشعراء المحدثين

                                 

أعماله الأدبية
الكتب الشعرية
أزهار ذابلة- مطبعة الكرنك بالفجالة- القاهرة- ط ا- 1947
أساطـير- منشورات دار البيان- مطبعـة الغرى الحديثـة- النجف- ط 1-
حفار القبور- مطبعة الزهراء- بغداد- ط ا- 1952
المومس العمياء- مطبعة دار المعرفة- بغداد- ط 1- 1954
الأسلحة والأطفال- مطبعة الرابطة- بغداد- ط ا- 1954
أنشودة المطر- دار مجلة شعر- بيروت- ط 1- 1960
المعبد الغريق- دار العلم للملايين- بيروت- ط ا- 1962
منزل الأقنان- دار العلم للملايين- بيروت- ط ا- 1963
أزهار وأساطير- دار مكتبة الحياة- بيروت- ث ا- د. ت
.شناشيل ابنة الجلبي- دار الطليعة- بيروت- ط ا- 1964
إقبال- دار الطليعة- بيروت- ط ا- 1965
إقبال وشناشيل ابنة الجلبي- دار الطليعة- بيروت- ط ا- 1965
قيثارة الريح- وزارة الأعلام العراقية- بغداد- ط ا- 1971
أعاصير - وزارة الأعلام العراقية - بغداد- ط ا- 1972
الهدايا - دار العودة بالاشتراك مع دار الكتاب العربي- بيروت- ط ا- 1974
البواكير - دار العودة بالاشتراك مع دار الكتاب العربـي- بـيروت- ط ا- 1974
فجر السلام - دار العودة بالاشتراك مع دار الكتاب العربي- بيروت- ط ا- 1974

        

الترجمات الشعرية
.عيون إلزا أو الحب و الحرب : عن أراغون- مطبعة السلام- بغداد- بدون تاريخ
.قصائد عن العصر الذري : عن ايدث ستويل- دون مكان للنشر ودون تاريخ
.قصائد مختارة من الشعر العالمي الحديث: دون مكان للنشر ودون تاريخ
.قصائد من ناظم حكمت : مجلة العالم العربي، بغداد – 1951



الأعمال النثرية
الالتزام واللاالتزام في الأدب العربي الحديث: محاضرة ألقيت في روما ونشرت في كتاب الأدب العربي المعاصر، منشورات أضواء، بدون مكان للنشر ودون تاريخ

                    


الترجمات النثرية
.ثلاثة قرون من الأدب: مجموعة مؤلفين، دار مكتبة الحياة- بيروت- جزآن، الأول بدون تاريخ، والثاني 1966
الشاعر والمخترع والكولونيل: مسرحية من فصل واحد لبيتر أوستينوف، جريدة الأسبوع- بغداد- العدد 23- 1953

    

وفاته
وفي سنة 1961 بدأت صحة السياب بالتدهور حيث بدأ يشعر بثقل في حركة وأخذ الألم يزداد في أسفل ظهره، ثم ظهرت بعد ذلك حالة الضمور في جسده وقدميه، وظل يتنقل بين بغداد وبيروت وباريس ولندن للعلاج دون فائدة
ولكن العلاج لم يفده في شيء، فقد كان الجزء الأسفل من جسمه يضمر ويضمر، والقروح تأكل ظهره، وحين جربوا معه العلاج الطبيعي، كسرت عظمت الساق لهشاشتها
أخيراً ذهب إلى الكويت لتلقي العلاج في المستشفى الأميري في دولة الكويت حيث قامت هذه المستشفى برعايته وأنفقت عليه خلال مدة علاجه. فتوفي بالمستشفى هناك في 24 كانون الأول عام 1964 عن 38 عاماً ونُقل جثمانه إلى البصرة وعاد إلى قرية (جيكور) في يوم من أيام الشتاء الباردة الممطرة. وقد شيّعه عدد قليل من أهله وأبناء محلته، ودفن في مقبرة الحسن البصري في الزبير
          


   وهذا تمثاله على ضفاف شط العرب في محافظة البصره جنوب العراق

  

            

في رثاء السياب بقلم ألمرحوم ألشاعر ألسوري محمد الماغوط
 يا زميل الحرمان والتسكع
حزني طويلٌ كشجر الحور
لأنني لست ممدَّداً إلى جوارك
ولكنني قد أحلُّ ضيفًا عليك
في أية لحظة
موشحًا بكفني الأبيضِ كالنساءِ المغربيات
لا تضعْ سراجًا على قبرك
سأهتدي إليه
كما يهتدي السكير إلى زجاجته
والرضيع إلى ثديه
فعندما ترفعُ قبضتَكَ في الليل
وتقرع هذا الباب أو ذاك
وأنت تحمل دفترًا عتيقًا
نُزع غلافه كجناح الطائر
وأنت تسترجع في ذاكرتك المتعبه
هذه الجملة أو تلك
لتقصها على أحبابك حول المصطلى
ثم يسمع صوتًا يصرخ من أعماق الليل
لا أحدَ في البيت
لا أحدَ في الطريق
لا أحدَ في العالم

السياب شاعر كبير بكل معنى الكلمة بالرغم من شهرته عاش فقيرا طيلة حياته ونكب بمحنة المرض وهو في قمة شبابه، ورحل بعد ان تألم كما لم يتألم أحد, ابتلته الاقدار بمرض قاس أليم كما ابتلت أيوب، وكان عليه ان يصبر ويتحمل كما صبر أيوب . ففي قصيدته ( سفر أيوب)تعبير عن هذه المحنة التي جعلت منه ايوبا معاصرا
يا رب أيوب قد اعيا به الداء
في غربة دونما مال ولا سكن
يدعوك في الدجن
يدعوك في ظلموت الموت أعباء
ناء الفؤاد بها فارحمه ان هتفا
اعدني الى داري الى وطني
لك الحمد مهما استطال البلاء
ومهما استبد الالم
الى رحمة الله ياقرين العذاب والحرمان والألم


                   

      لوحة مرثية ألسياب بريشة إيمان ألبستاني

                                     

بدر شاكر السياب...أنشودة المطر
http://www.youtube.com/watch?v=LQfekmP71-k
ألمصادر:
ألموسوعة ألحرة
جريدة الثورة العربية، بغداد عدد 184 - 12 شباط 1965

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

745 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع