لبنان في الذاكره...

                                          

            

      

                

يعتبر السفر من الهوايات الجميله التي يمارسها الافراد في مراحل العمر كافه ولكل مرحله اماكن محدده واتجاهات مختلفه وحاجات متنوعه..

وفي العراق لم يكن السفر متاحا في بداية القرن العشرين وكان يقتصر على الضرورة فقط ولاسباب عديده منها عدم توفر وسائل النقل الملائمه وعدم وجود طرق مواصلات كفوءه اضافة الى الحاجه الى الاموال الازمه لعملية السفر ولكن التطور الذي حصل بشكل تدريجي وحتى منتصف القرن العشرين جعل السفر مناسبا للبعض وخاصة الذين تتوفر لهم الرغبه والاموال ..
يتيح السفر الكثير من الفوائد منها التعرف على مناطق واسلوب حياة جديده ومختلفه وتغيير الاجواء والمجتمعات والحصول على حالة من الترفيه النفسي والمعرفي ولكن يجب توفر مستلزمات السفر وفي مقدمتها توفر الامكانيات الماديه ,,
في مطلع الخمسينات بدأت فكرة السفر تسيطر على الكثير من الشباب والعوائل وخاصة ان العراق كان ممرا للمسافرين من الكويت وقطر والبحرين واحيانا السعوديه المسافرين الى لبنان وسوريا والقدس ولذلك تحركت الرغبه للسفر لدى العراقيين واتذكر اول سفره قامت بها العائله بالسياره الشخصيه كانت في حزيران عام 1957 الى سوريا ولبنان واستمر الحال هذا سنويا الى ان منعت الحكومه العراقيه السفر الى سوريا ايام حكم عبد الكريم قاسم واستمر المنع الى عام 1963 الذي يعتبر اكثر الاعوام سفرا للعراقيين لتراكم المنع الذي دام حوالي ثلاث سنوات ,,

  

لم تكن اجراءات السفر معقده في العراق فقد كان استحصال جواز السفر بأجراءات بسيطه ولايكلف الشخص اكثر من درهم عريضه ونصف دينار طابع رسم للجواز ويكون نافذا لمدة عشرة سنوات ويحق لكل عراقي بلغ سن الرشد الحصول على جواز السفر اما الاطفال فكانوا يدرجون مع ذويهم في جواز واحد ,, اما السفر فكان سهلا للغايه وبامكان الشخص الذهاب الى منطقة حافظ القاضي او الصالحيه قبل الساعه الثانيه ظهرا وخاصة في فصل الصيف ليقطع تذكره بمبلغ دينارين لدى شركات السفر مثل الاقتصاد او العزاوي..

  

وثلاثة دنانير عند شركة نيرن المكيفه ليسافر من بغداد الى الشام عبر الصحراء وكانت السفره تستغرق بحدود عشرين ساعه اذا لم تحصل فيها توقفات ويكون التوقف الاول في الرطبه وهي المخفر الحدودي الذي لم يكن يحتوي على اي مستلزمات للمسافرين عدا مخفر شرطه في بناء على شكل حصن  ومقهى يقدم الاطعمه التي لايأكل منها سوى سائقي الشاحنات ومن الرطبه تنطلق سيارات المسافرين الى الصحراء حيث تتوقف في منطقة (H5 ) الاردنيه وهي مخفر حدودي ومحطة تقوية ضخ النفط الى حيفا ثم الى المحطه الثانيه وهي التنف السوري وكل هذه المحطات لاعلاقة لها بختم الجوازات بل يكون التوقف اكثرمايكون لغرض الراحه المؤقته وفحص العجله وتستمر السيارات بالمسير الى منطقة (  ابو الشامات ) وهي المحطه التي يتم فيها تدقيق الجوازات وهي لاتبعد عن دمشق كثيرا وبعدها نصل الى الشام ( دمشق) وفي ساحة المرجه تحديدا حيث تتوقف الباصات وغالبا ما يكون الوقت ظهرا حيث يتم ايداع الحقائب لدى شركات السفر من الشام الى بيروت مثل شركة حداد وبسعر  5 ليرات سوريه وهي تعادل ربع دينار عراقي حيث يصرف الدينار  ب  23 ليره سوريه...

         

وبعد تناول طعام الغذاء وغالبا ما يكون في مطعم عمر سحلول وبعده تناول المثلجات ( دوندرمة الليمون ) من ساحة المرجه وجوله سريعه في سوق الحميديه  والتهيؤ للسفر الى بيروت الذي يستغرق بحدود ساعتين ونصف ,,

  

كانت اول زيارة لي الى سوريا في عام 1957 وكانت دمشق كئيبه ويسودها الهدوء التام والنساء فيها مبرقعات ومغطيات الوجوه بالنقاب ولاترى اي مظهر للمتعه مثل الملاهي والبارات والسينمات محدوده وترى الفقر في اعين الناس ولم يكن احد من السياح وخاصة العراقيين يرغب في البقاء فيها عدا كبار السن لغرض الاستجمام ولرخص الاسعارولكون مناخها بديع في الصيف واذكر ان والدتي رحمها الله بعثتني لجلب الخبز من المخبز القريب من الفندق وسألني بكم تريد فقلت بليره فاجابني انت متأكد بليره قلت نعم فحملني وزن كيلوين من الخبز وجدت صعوبه بايصاله الى الفندق حيث صاحت والدتي ( شدعوه هلكد؟؟ ) فقلت بليره فتعجبت ,, الاسعار كانت في سوريا رخيصه والفنادق متوسطه ولم يكن هناك فندق فخم وافضل الفنادق كان فندق سمير الذي صادف ان اكون فيه في تموز عام 1963 عندما حدثت محاوله انقلابيه قام بها العقيد جاسم علوان على البعثيين وحصل قتال شوارع دام خمسة ايام منع فيها التجول واقفلت فيها المحلات والدوائر ونحن محاصرين في الفندق نتضور جوعا واضطررنا الى العوده الى العراق وخربت السفره في تلك السنه.

                 

وكان معي طيب الذكر العداء العراقي سامي احمد الشيخلي كنا قد عدنا من بيروت  الى دمشق لاستقبال العائله التي لم تحضر بسبب الاوضاع  وعدنا الى العراق تحت اجراءات امنيه وتظاهرات واطلاق نار ونجونا بأعجوبه ,,
اما الاردن فقد تصادف ان نزورها مرغمين في عام 1957 لغرض شراء مواد وقطع غيار للسياره التي تعطلت بنا في المفرق وكانت عمان اشبه بقريه عراقيه من قرى نينوى ومنطقة الهاشميه وهي المركز عباره عن شارع ضيق لايتجاوزطوله 2 كم وجامع وسوق وكراج تصليح ومطعم اسمه فلسطين وبيوت مبنيه بالحجر ولاتتوفر فيها اية خدمات ظاهره ويغلب على المدينه الطابع الفلسطيني ,,

  

نعود الى جنة الشرق الاوسط لبنان الحبيبه عندما تتحرك بنا السياره وهي غالبا ماتكون صالون من نوع امريكي وخاصة ( دودج ) و( كرايسلر ) وفي بعض الاحيان ( مرسيدس ) والطريق من دمشق الى بيروت تستغرق قرابة ساعتين ونصف نغادر فيها الحدود السوريه في مخفر ( جديدة يابوس ) وكثيرا ما يتعرض المسافرين الى مضايقات وتفتيش غير طبيعي وخاصة عند العوده واسئله كثيره وبعد ختم الجوازات نغادر بمسير لايتجاوز ربع ساعه حتى ندخل الاراضي اللبنانيه في مخفر ( المصنع ) وهنا واقولها بكل صراحه نجد الهواء مختلف والاجواء مختلفه والبشر مختلف وحتى بائعي المشروبات الغازيه يختلفون ولانترك السياره حيث يتقدم الينا رجل الشرطه ويأخذ الجوازات ويسأل سؤالا تقليديا ( في دخان؟ ) وعند الاجابه بنعم يقول ( ورجيني من شان اختمو ) ثم يناولنا الجوازات لنتحرك الى لبنان وللعلم فأن السوريون يدخلون لبنان بدون جوازات سفر وبالبطاقه الشخصيه واول محطه نقف فيها في لبنان هي مدينه صغيره جميله تشتهر بالزراعه وجمال الطبيعه وهي ( شتورا ) وفيها على الشارع العام بعض المحلات منها مطعم سندويج تديره ثلاث فتيات كأنهن الورد ويقدمن سندويجات من اللبنه بالزيت والطرشي واللحم البارد والجبن مع المشروبات الغازيه وبجوار المطعم محل بقاله فيه من كل انواع الفاكهه وهناك رأيت لاول مره فاكهة ( الكوي) ثم نتحرك الى ظهر البيدر الذي يغطيه الثلج في الشتاء ويغلق الطريق وبعده تأتي مدينة صوفر وهي مدينه هادئه وجميله ويؤمها المرضى والناقهين والمسنين...

     

ثم تأتي بعدها مدينة العراقيين وهي ( بحمدون ) والتي تعج بالعراقيين وفيها فندق ( كارلتون ) لصاحبته ام كرم التي لاتقبل اي زبون غير عراقي وعلى شرط من الزبائن القدماء او المعتادين على الفندق وكنا نحرص ان نكون متواجدين في الفندق يوم 12 آب لان ام كرم تقيم حفله صاخبه على شرفها بمناسبة عيد ميلادها وتقدم افخر انواع الطعام والشراب والحلويات مجانا مع فرقه موسيقيه ورقص وهدايا غالبا ماتكون بطل ويسكي في كل غرفه لمن يشربون الويسكي ..
كان سعر الليله الواحده في هذا الفندق  8 ليرات يوميا من ضمنها ثلاث وجبات طعام فاخر مع فاكهه وحلويات وهذا السعر يعادل دينار عراقي واحد حيث كان سعر التصريف  8 ليرات لبنانيه لكل دينار عراقي , وفي المساء ومن الغروب تعج بحمدون بالعراقيين وهنا تجد الكبار من السياسيين والادباء والتجار في كازينو (ارلكان) والشباب في كازينو ( اكستاز ) وفي كلتاها يقدم الشراب والعصائر والمثلجات والطعام وتجد البعض في الوادي حيث المواعيد الرومانسيه...

      

وفي الوادي سينما تجدها مليئه بالنساء العراقيات وهي تعرض فلم عربي جديد كل يومين  وهناك سينمتان على الشارع الرئيسي ( سينما بلازا ) واجمل ما كان يجلب الاتنباه وجود شرطي مرور في التقاطع الرئيسي يرتدي نطاق مزود باضويه حمراء وصفراء وخضراء وتعمل هذه الاضويه كما هو حال الاشارة الضؤيه وكان من النشاط حيث يجلب انتباه السواح ..

  


وننحدر الى الاسفل لنجد مصيف أخر وهومن ارقى المصايف الا وهو مصيف ( عاليه ) وتجابهك الاعلانات عن الحفلات للسيده ام كلثوم وناظم الغزالي والراقصه العراقيه بدريه محمد ووديع الصافي وجاكلين وسميره توفيق وغيرهم وكانت كازينو ( طانيوس ) تقيم هذه الحفلات الراقيه اضافة الى ملهى عاليه

 

وفي عاليه بار مشهور هو ( تام تام ) وهو على الطراز الافريقي ويقدم فيه المشروبات وفقره راقصه ويؤمه الاجانب ,, تشتهر عاليه بوجود العرب مثل الكويتين والقطرين والبحرانيين الذين كانوا يبتعدون عن بحمدون بسبب العراقيين لانهم يشعرون بانهم اقل مستوى منهم وكثيرا ما كانت تحصل معارك وشجارات بين العراقيين والكويتين وكنت انا جزء في اكثرها ولاتنتهي الا بتدخل الفرقه  16 شرطه او في ( الكركون ) والحق يقال كان اللبنانيون يقفون مع العراقيين في اكثر الاحوال .

  

وننحدر باتجاه البحر حيث طريق رياض الصلح ومدخل بيروت الشرقي..... بيروت اجمل عاصمه عربيه يقع معضمها على البحر وفيها ارقى الفنادق والمطاعم والملاهي والبارات ومحلات الملابس التي تقدم اخر الموديلات قبل باريس ولندن ومن المركز وهو ساحة البرج الذي يعج بالعراقيين لكونه يحتوي وسائل الفرفشه الى مقهى البورصه وهي مقر تجمع العراقيين لمعرفة اخر الاخبار السياسيه وترتيبات الانقلابات وتصريف العمله والسفر والدراسه والهديا القادمه من العراق والرسائل وبجوارها يقع اشهر سوق للملابس وهو سوق ( صرصق) الذي يقدم لك ارقى الموديلات المقلده وباسعار اشبه بالبلاش والتي تجد مثيلا تها الاصليه باسعار خياليه في شارع الحمرا الذي تشعر وانت تسير فيه كأنك في باريس وعين المريسه التي تجد فيها كل مايطيب النفس من بارات وملاهي واماكن لهو للشباب وفي  سفره لي الى لبنان عام 1963 شاهدت لعبة البولينك وتعلمتها لاحقا وابدعت فيها عندما كنت طالبا في جامعة بيروت العربيه ( فرع عين شمس ) وايضا تعلمت التزحلق على الماء في مدرسة فندق سان جورج وهوالذي حدث امامه الانفجار الشهير الذي استهدف رفيق الحريري ..

    

في بيروت لن يسألك احد عما تفعل ولاترى شرطيا يسألك عن اقامه فقد تبقى اشهر وهناك تشاهد الحريه التي لم نألفها نحن العراقيين فقد تشاهد مجموعه من الشباب يجلسون مع بعض ويتسامرون ويتناقشون بصوت عالي تتصور انهم سوف يتقاتلون وعندما تجلس معهم تجدهم تشكيله غريبه منهم من هو مع فرنسا وآخر مع امريكا والثالث ناصري ورابع بعثي وخامس شيوعي وقومي ودرزي ولن يؤثر ذلك على علاقتهم مع بعض ..... هذا كان في منتصف الستينات ولكن الحال تبدل بعد ذلك ......

             

لايمكن ان تعود من لبنان وانت خالي الوفاض فلابد من هدايا والغريب ان اكثر الهدايا المطلوبه هي العاب من محلات ( قيصر وعامر ) وهذه المحلات تقدم العابا غريبه منها ( مصقول ال....) و( انبولات البول ) التي ترش على المقاعد وتجعل الجالس يشعر بالحاجه الى الحمام باستمرار وانبولات ( الرائحه الكريه ) وهي تفجر بالمكان الذي لك معه عداوه حيث يهرب الزبائن من شدة الرائحه وهناك الناظور الخلاعي الذي يظهر لك صور خلاعيه ولكنه يترك دوائر سوداء حول العين واكثر الالعاب متعه هي طرقات السكاير وتوضع في السكاره وتنفجر عند وصول الجمره اليها وتقدم هذه للذين تعودوا على شحذ السكائر وعليهم المثل يقول ( عنده بس حلك ) لاشخاطه ولاباكيت ... وغيرها من الالعاب التي لم يكن يعرفها المجتمع العراقي ,,

  

اضافة الى الحلويات اللبنانيه من محلات ( البحصلي ) خاصة العصمليه وبعض الملابس وغيرها من الامور .. الاسعار في لبنان ليست مرتفعه كثيرا بالرغم من كونها بلدا سياحيا من الدرجه الاولى وكانت الاسعار مقبوله وكمثال فأن سندويج الشاورما بنصف ليره وبطل البيره ( المازه ) بنصف ليره والفواكه رخيصه لكونها محليه (الليمون 10 قروش البرتقال 15 قرش / العنب 35قرش / اللحم 7 ليرات ) ..  

وفي بيروت اكثر من عشرين (بلاج ) على البحر منها الراقي والشعبي والمتوسط وباسماء متنوعه منها الساحل الفرنسي وكواتزير وميامي والريفيرا وهذا الاخير هو للمشاهير حيث تشاهد فيه المطربات والمطربين والاغنياء وصادف ان ذهبت اليه مع حفيد الشيخ خزعل امير الاحواز وكان يسمح بالضيوف وشاهدت جوا مختلفا عن باقي البلاجات    وتقدم هذه البلاجات متعه جميله وهي السباحه في البحر الابيض الابيض المتوسط ومعها متع اخرى ..

لبنان كما يسميها الكثير جنة الله على الارض ولكن كيف يتركها الاخوه الاعداء تبقى كجنه حتى جعلوها ركام بحرب اهليه دامت خمسة عشر سنه ولاتزال تحصد نتائجها لحد الان ..
مع تحيات /عبد الكريم الحسيني

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

681 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع