شذور شعريّة ونثريّة: “جديلتُها السّوداء”

        

  شذور شعريّة ونثريّة: “جديلتُها السّوداء”

   

                   د. نهلة غسّان طربيه*

1
قالتْ لي بحزنٍ:
“إنّهم يغادرون سورية إلى كلّ البلدان!
يتركون خلفهم الكراسي الفارغة..
الموانئَ الخرساء..
الأبوابَ المقفلة..
ويحملون صرّةَ يأس..
على ظهورٍهدَّها الوجع.”
كانت شابّةً تختبئ على شفتيها ابتسامةٌ حزينة..
وتصْمتُ في عمق عينيها حكايةٌ طويلة كجديلتها السّوداء!
2
ثمّ قالت لي بصوتٍ متهدّج:
“وإنّهم.. أقصد أولاء.. يغدرون بفلسطين من كلّ البلدان!
يسرقون الكراسي..
يرمون بالحقّ عالياً كقطعة نقود..
فيسقط في زورقٍ يخبِّئُهُ الميناء بِصَمْتِ ليومِ عُرسِ الحقيقة..
ويغنّي له القمرُ هَدْهدةَ المساء..
ويَعِدونَ الصّغارَبحديقةِ سلامٍ كبيرة..
مسَيَّجَةٍ بالألغام..
كي يلعبوا قرب أراجيحها الملوَّنَة.”
تلك الشّابّةُ قالت لي إنّها خائفةٌ على سورية..
وقالت إنّها قلقةٌ للغاية على فلسطين..
ثمّ راحت تُحكِمُ شَدَّ شريطةٍ حمراء على جديلتها السّوداء.
3
نظرَتْ بِحَيْرَةٍ إلى مفتاحٍ في يدي..
سقطَتْ للتّوِّ على برودتِهِ دمعتي السّاخنة..
أخبَرْتُها أنّه لجدّةٍ فلسطينيّة..
أودعَتْهُ في عُهدَتي قبل رحيلِها بأسبوع..
ورجَتْني أن أسألَ حفيدتَها ذات الجديلة السّوداء..
أن تُعَرِّجَ على بيتِها الحجريّ في حيفا..
يوماً حين تكبر وتزور فلسطين..
وأن تَضَعَ على قبرِ زوجِها.. الجدّ غانم.. زهرةَ ليمونٍ واحدة!
فتحَتْ (عينيها) بدهشة حين قلْتُ لها:
“هل تشاركينني عروسةَ الزّعتر؟
بلى هو زعترٌ سوريٌّ من صنع يدَي أمّي هناك..
فقد زرْتُ سوريّتي في عمق الحرب الظّالمةِ عليها..
منذ عامين..
بلا خوفٍ.. لأنّ حُبَّ الوطن يستحقُّ المغامرة..
بِكَومةِ حُبٍّ.. لأنّ حُبَّ الوطن يحمي.. كالإيمان..
بشوقٍ طالَ.. طال.. يابنيّة..
كجديلتِكِ السّوداء”!
*(أكاديميّة سوريّة مقيمة في لندن)

- رأي اليوم

    

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1072 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع