في الذكرى الـ١٢ لوفاته.. أبو "الحرافيش" صاحب النكتة الذي لا يملُّ

         

محفوظ: استقبلت سفير السويد بالبيجاما ورائحة البصل تفوح من فمي

القاهرة - الخليج أونلاين:على الرغم من عدم ميل صاحب "أولاد حارتنا" إلى الدخول في أي صراع مع أي شخص أو جهة، فإن هناك من اعتبره مسيئاً إلى الدين الإسلامي ومتطاولاً عليه، في رواياته، وكان هذا سبب تعرضه لمحاولة اغتيال في عام 1994.

نجا نجيب محفوظ، الروائي المصري المعروف، من هذه المحاولة، ولكن أعصابه على الطرف الأيمن العلوي من الرقبة تضررت؛ إذ تعرض لطعنة في رقبته، وكان لهذا تأثير سلبي على عمله؛ حيث لم يكن قادراً على الكتابة سوى بضع دقائق يومياً.

وأُعلِن خبر وفاة صاحب "الثلاثية" الذي غيَّر شكل الرواية العربية، في 30 أغسطس 2006، وشارك في جنازته رئيس الجمهورية وقتها، محمد حسني مبارك.

   

مات نجيب محفوظ عن 94 عاماً، تاركاً خلفه ميراثاً كبيراً من أعمال أدبية خالدة، نُقل بعضها إلى شاشة السينما، فزادت من شعبية نجيب وأعماله.


ولم تكن جائزة "نوبل" هي الجائزة الوحيدة التي حصل عليها نجيب؛ حيث حصل على الوسام الرئاسي من الجامعة الأمريكية عام 1989، وشهادة الدكتوراه الفخرية من الجامعة ذاتها. وفي عام 1992، جرى تكريمه عضواً فخرياً في الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب، وفي عام 2002 انتُخب عضواً فيها.

أصدقاء نجيب محفوظ في "شلة الحرافيش" التي رافقته أغلب أوقاته تؤكد أن "الأستاذ" كان "ابن نكتة"، لا يترك مناسبة أو موقفاً إلا ويضع تعليقه الساخر عليه، حتى في أكثر تلك المواقف تراجيديا.


في سلسلة مقالات كتبها الصحفي المصري محمد حماد، في صحيفة "الجريدة الكويتية"، تحت عنوان "حكاوي الراوي.. نجيب محفوظ"، نقل حماد عن أصدقاء "الأستاذ" بعض المواقف والتعليقات التي تكشف جانباً لا يعرفه الكثيرون عن نجيب محفوظ.

ومن بين ما نقله حماد شهادة الدكتور أدهم رجب، صديق شباب نجيب محفوظ، وفيها يقول: "كان نجيب يصحبنا في رمضان إلى مقهى الفيشاوي القديم، في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات، حيث كان أساطين النكت والتريقة على خلق الله. كانوا محترفين، يتصايحون بالنكت الجنسية السافرة، ويا ويل من يستلمون قافيته. وكان نجيب يتصدى لهم بمقدرة غريبة على توليد الأفكار وتحويلها إلى نكت، فيجعلهم أضحوكة الجميع، وكان صوته جهورياً، وكان خارقاً في سرعة ابتداع الفكرة، حتى وصل به الأمر إلى أنه كان يتصدى بمفرده لعشرين شخصاً دفعة واحدة، وكان ينطلق بالنكتة تلو النكتة من دون أن يتوقف حتى يُسكتهم جميعاً. وكنا نحن رفاق صباه ننقلب إلى مطيّباتية له، فإذا بخصومه ينضمون إلينا ويصبحون من جوقة المطيّباتية أيضاً. كان رجلاً جباراً في النكتة إلى حد أنه كان يُضحك خصومه على أنفسهم".


وفي شهادة الأديب المصري الراحل جمال الغيطاني عن شخصية نجيب المرحة، يقول: "مجرد استعادة هيئة الأستاذ لحظة إلقائه النكتة أو توليدها أو نطقه القفشة يجعلني أبتسم"، ويحكي الغيطاني أنه في إحدى جلساتهم الأسبوعية، عن إحساسه لحظة الزلزال الذي أصاب مصر عام 1992، قال: "كنت أجلس في الصالة، شعرت به بقوة، وتطلعت إلى السقف منتظراً سقوطه، وسقوط برلنتي عبد الحميد في حجري"، وبرلنتي عبد الحميد فنانة مصرية من أشهر نجمات السينما في الستينيات، وكانت تسكن الطابق العلوي من العمارة نفسها التي كان يسكنها نجيب محفوظ.

               

وفي كتاب "صداقة ممتدة" للكاتب زكي سالم، أحد أعضاء شلة "الحرافيش" (أصدقاء نجيب محفوظ)، يحكي أنه حين تقدَّم نجيب محفوظ في سنة 1930 للدراسة في كلية الآداب، واختار قسم الفلسفة، كان الدكتور طه حسين عميد الكلية، وكان يستقبل الطلاب الجدد بنفسه؛ ليتأكد من خلال الحوار معهم، أنهم أحسنوا اختيار الدراسة في أقسام الكلية المناسبة لهم. وحين سأل العميد الطالب نجيب محفوظ عن سبب اختياره دراسة الفلسفة دون غيرها، عبّر محفوظ عن رأيه، وأفاض في القول، حتى أوقفه الدكتور طه حسين مداعباً وهو يقول له: "إنك حقاً تصلح لدخول قسم الفلسفة، فكلامك غير مفهوم"، وأن هذه الحكاية نجيب نفسه هو من حكاها.

ويُحكى أن نجيب ذهب للقاء الأديب المصري توفيق الحكيم في مقهى بالإسكندرية، وعندما دخل نجيب القهوة استقبله الحكيم (الذي كان يشاع عنه اتصافه بالبخل)، فقال الحكيم لنجيب: "ممكن أطلب لك فنجان قهوة على حسابي وستضطر إلى أن تطلب لي غداً فنجاناً على حسابك، فبدلاً من التعب فليدفع كل منا حسابه بنفسه". فردَّ عليه نجيب بذكاء وسخرية: "إذا كان ما يمنعك هو خوفك من أن أضطر إلى أن أطلب فنجان قهوة غداً، فإني أعدك ألا أطلبه، وممكن تطلب لي الفنجان وأنت مرتاح".

             

ومن بين طرائف نجيب محفوظ أنه عندما صدرت رواية "ثرثرة فوق النيل" وأثارت ضجة؛ لانتقادها الأوضاع الاجتماعية والسياسية في الستينيات، وبالصدفة التقى نجيب أحد المسؤولين، وسأله عن المغزى الذي قصده في روايته على لسان بعض الشخصيات، فأجاب محفوظ: "ده كلام حشاشين".

            

ومن التعليقات الساخرة لنجيب محفوظ، أنه في المرة الوحيدة التي ذهب فيها ليشاهد التمثال الذي أقيم له بميدان "سفنكس" في المهندسين، فوجئ بأن التمثال لا يعكس شكله، فعلق قائلاً: "يظهر أن الفنان الذي صمم التمثال ده لم يقرأ لي سوى رواية (الشحاذ)".


ويحكي نجيب محفوظ لحرافيشه عن اليوم الذي أُعلنَ فيه فوز نجيب محفوظ بالجائزة العالمية للآداب، فيقول: "صباح يوم الخميس 13 أكتوبر سنة 1988، وصلت إلى مكتبي في (جريدة) الأهرام، وبدأ زملائي (كالعادة) يتوافدون على مكتبي، وجرى الحديث حول إعلان جوائز نوبل".

ويضيف نجيب: "قال أحد الزملاء: اليوم ننتظر إعلان جائزة نوبل في الأدب، وردَّ زميل آخر: أرى أن القائمين على أمرها ما زالوا يتجاهلون أدباء العالم الثالث، فقلت: أعتقد أن حركة الترجمة تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، فكيف يصل إنتاجنا إلى هؤلاء، وهو محبوس داخل لغة لا يفهمونها؟! وبعدها انفضت الجلسة، وذهبت إلى البيت وتناولت غذائي، وذهبت إلى النوم (كما هي العادة)، غير أن زوجتي جاءت على غير عادتها توقظني في لهفة وهي تقول: انهض يا نجيب. الأهرام اتصلوا يقولون إنك حصلت على نوبل. كانت دهشتي بالغة، أولاً لأنني لم أكن أعرف أنني مرشح، وثانياً لم تفاتحني أية جهة أدبية، سواء في مصر أو بخارجها في أمر هذا الترشيح".

ويضيف محفوظ: "لم تكن جائزة نوبل متوقَّعة وظللت أقول لزوجتي التي أخبرتني بنبئها: كُفِّي عن المزاح".

ويتابع: "فجأة، رن جرس الهاتف، وكان المتحدثُ الصحفيَّ محمد باشا مدير تحرير الأهرام، الذي بادرني بالتهنئة: مبروك عليك الجائزة".

ويصف نجيب تلك اللحظات فيقول: "جلست ما بين مصدق ومكذب، فهل فزت حقاً بجائزة نوبل، وقبل أن ألتقط أنفاسي رن جرس الباب، ودخل عليّ خواجة ضخم وزوجته، فقلت له: من أنت؟ فقال: أنا سفير السويد. عندئذ أدركت أنها حقيقة، جاءا ليقدما لي هدية، عبارة عن قدح فاخر من البللور السويدي، ولكني لا أعرف فعلاً كيف قابلت السفير السويدي بالبيجاما! كذلك كنت قد أكلت مع الطعام بصلاً؛ لأنك يا توفيق (يقصد المخرج توفيق صالح) أخبرتني بأنه يخفّض السكر. هل كان من الضروري في أسبوع جائزة نوبل أن تقول هذه النصيحة؟!".

   

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1165 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع