حوار مع الكاتب والقاص نصير السماوي

       

           حوار مع الكاتب والقاص نصير السماوي

  

     

  

هكذا هي الحياة دائما قصص وحكايات تجمع ما بين المسرات والأوجاع. والسرد فن جميل، ورسالة إنسانية عظيمة، وفي أحسن اشتغالاته  الاقتراب من روح الواقع وتجلياته في التعبير عن طموحات الإنسان والانتصار لقضيته الأساس في العيش بحرية وكرامة واستقلال، ولن يتأتى ذلك إلا لمن أمتلك أدواته وتقاناته الفنية والجمالية مع سعة التجربة والخيال الخصب، واشتراطاته في استيعاب اللغة التي يكتب بها. وفي العصر الحديث بدأ السرد من خلال علاقته الجديدة بالواقع والإنسان معاً، يحتل مكانه الرائد بعد ان غادر القصور والأبراج العاجية، حيث كان في بداية مولده يعيش في زاوية ضيقة إلا مع من يهتم بجماليات القص وفضاءته الواسعة المطلة على العالم الآخر، حين أخذ بالغوص في دهاليز الحياة وما يشتبك فيها من مشكلات وأزمات وما يرافقها من حروب تواجه الإنسان المعاصر في رحلته وعذاباته، الذي ما انفك من التوقف عن السعي والنضال لتحقيق السلام المنشود، وتطلعاته الحالمة بمستقبل يسوده الأمن والطمأنينة.
ولأن بلادنا ما زالت تواجه جموع غفيرة من شذاذ وآفاق المعمورة في حربها ضد جبروت الطغيان وأعداء الله والحياة والجمال، بيد أن هنالك فضاء السرد ما زال يؤدي وضيفته في الكشف والتعبير عن الواقع الراهن ومحنة الإنسان المحاصر. وهذا ما نجده عند القاص نصير السماوي في مجموعته القصصية الأولى " لعبة الطين " التي تأخر في طبعها، حيث لم يفكر في دفعها للنشر إلا بعد أن أثبت لأسمه مكانة في فضاء القص، الصادرة عن دار أمل للطباعة والنشر/ دمشق - بغداد 2017 بالتعاون مع " الرابطة العربية للآداب والثقافة / فرع بغداد "، وقد ضمت بين دفتيها أربع وخمسين قصة قصيرة، وقصيرة جداً بواقع 95 صفحة قطع متوسط بطباعة فاخرة، وتصميم أنيق جاء معبراً عن رمزية الوحدة الموضوعية للمجموعة القصصية بلمسات ريشة الأستاذ فلاح العيساوي. وقد سبق للسماوي أن نُشرت له عديد من القصص في بعض الصحف والمجلات العربية والمحلية، وقد نالت استحسان القراء، كما أشاد بها بعض من أطلع عليها من النقاد العراقيين والعرب، ومنهم على سبيل المثال دون الحصر : الناقد بشير حاجم والناقد عبدالامير لازم والناقد محمد يونس والناقد محمد العميدي والناقد محمد الطوخي من مصر، وتمتاز لغته التي تقترب من لغة الحياة اليومية في رصدها للأحداث المروية - الآنية التي تتلبس مصائر شخوصه الغارقة في آتون الحرمان والتشظي، ما يجعلها تصل مباشرة إلى وجدان المتلقي، ويحرص القاص أن يقدم نماذج إنسانية متباينة بعض الشيء في مساراتها الحياتية وما يواجها، من خلال رؤيته للواقع المعاش، وتمتزج هذه الرؤية بنقودات الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والمعيشي المنفلت من خلال تجاربه ورصده للواقع بعين واسعة، وعادة ما يختار لقصصه تلك الشخصيات التي تعيش حياتها في مفترق الطرق فيدرس قضاياهم ويتبنى رؤاهم، ويظهر جلياً منهج القاص، فهو لا يتدخل شخصياً في القصة بل يترك ذلك لأشخاص القصة أنفسهم. فيبدأ بوصف دقيق للأشخاص والبيئة، ثم ينتقل إلى سرد ما يحدث من وجهة نظر هولاء وهم تحت تأثير البيئة الملتهبة التي يعيشون فيها. قدمها بأسلوب يمتاز بين السرد المباشر والحوار الداخلي " المنالوج "، وينتمي بعضها " إلى نوع من الكتابة غير العالمة حيث نجد عنصر المفاجأة يشد القارئ لمتابعتها، فضلاً عما تمتلكه من مقومات الحكاية والمفارقة والتكثيف واستخدام الرمز والتلميح والإلهام والخاتمة المتوهجة الواخزة وطرافة اللقطة واختيار العنوان، كما أنه استعمل نقط الحذف لخلق بلاغة الإضمار والصمت مما يولد حالة من الغموض تثير المتلقي القارئ للتأويل ". وهي في معظمها تمثل الاتجاه الواقعي، وتتسم بالصدق في نقل صورة الواقع المعاش في زمن الفوضى والانفلات الأمني المضطرب، بالإضافة إلى أنها تتميز بعمق الأفكار وجِدتها فضلاً عن لغتها المعبرة كما قدمنا. فهي تجمع صورا ومعان شتى، كما أن أسلوبه كان يعتمد نقل كل ما يرمي إليه من معانٍ وأحاسيس بعمقها وتصويرها للطبيعة البشرية وحرصه على تحبيذ كل ما هو إنساني وهادف وجميل في نشاط المجتمع.  وشخصياتها المرسومة بدقة متناهية. وقد أختار لها عنواناً من أحدا قصص المجموعة، حيث يشكل العنوان عتبة نصية تفضي إلى شرفات القصص، لما يعبر الطين عن رؤية وجودية فلسفية وجمالية في تشكيلاته المثيولوجية والإنسانية على مستوى الزمان والمكان ذات الدلالات المرمزة في معاييرها كنسغ يمد الحياة والوجود معاً بالنمو والبقاء المرتهن بجدية العمل والفعل الخلاق. ومن البداهة يظل الإنسان دائماً محكوم في بقائه وارتباطه بالأرض التي جبل عليها، وليس هناك مفر من الطين الذي يشكل جوهر الوجود المختلق والارتباط الحميم بوحدة الأرض، لذلك نجد السماوي في رسم شخصياته يتوخى الاقتراب من روح الإنسان في الإفصاح عن المشاعر التي تكتنفهم في صراعهم المحتدم من اجل الخروج والعبور من أزماتهم  نحو بر الأمان والذي يتمثل بثقل المأساة التي تفرضها عليهم البيئة وطبيعة المكان الذي يتنقلون بين جنباته وكأنهم أناس محاصرين مسيرين لا مخيرين في قراراتهم، وبما ان الإنسان في طبيعته كائن اجتماعي يتوق إلى الانصهار في بوتقة الجماعة التي ينتمي إليها، والتي تشكل الوعي الجمعي لوحدة الآخرين، إلا إننا نجد معظم أبطال قصصه يعيشون حالات الاغتراب الروحي بفعل ما يمور به الواقع وما يفرزه من تداعيات ينعكس على السلوك العام ويجعل مهامهم في صعوبة بالغة وكأن الحياة  تطاردهم دون القلة من الآخرين الذين يسرحون ويمرحون ويعيثون في الأرض خراباً وفساداً.
ولا نجافي الحقيقة إذا ما قلنا بأن المجموعة القصصية الأنفة الذكر ستحضى باهتمام القراء كما ستحتفي بها المدونة النقدية لاحقاً لما فيها من تكثيف في اللغة وما تحمله من دلالات ومحمولات الصور الرمزية والتعبير عن جماليات المكان المفترض الذي يعزز من قيمتها القصصية كإنتاج جديد يطرح على المشهد الثقافي العراقي الذي يفيض بتجارب جديدة مغايرة تستلهم قضايا الإنسان والواقع الراهن بشكل يرتقي إلى مستوى الوعي النقدي.
لذا كان لابد لنا من اللقاء به في حوار مباشر حول تجربته القصصية وقضايا أخرى.
* في مجل أعمالك القصصية نجد هناك قلق دائم  وألم نفسي وربما شخوصك غارقة بالوحدة ؟
- القلق والألم النفسي شبهة تعتلي النفس البشرية وفي رأي المتواضع : هي حالة صحية للفرد كونها لا تنبع من فراغ بل تبرز للعيان من خلال طبيعة الحياة البشرية ألتي تضغط على الإنسان الذي يملك شعور عالي من الحس الإنساني ويمكن الاستدلال عليها من خلال ما يطرحه " الكاتب" في كتاباته ومن الصعوبة في مكان لكاتب تستهويه الكتابة عن أبطال رومانسيين في خضم ما يمر فيه بلده من ويلات ودمار فلذلك يسعى الكاتب وبما يمليه عليه الواجب في مثل هذه الظروف أن يكون شاهداً وكتابته أرشيف لما يجري في هذه الحقبة من الزمن.
* منذ متى وأنت تكتب القصة القصيرة، ولماذا هذا الفن بالتحديد دون بقية الأجناس الأخرى ؟
- للعلم.. مارست في بداية شبابي فن الرسم " البوستر" وأقمت معرضين أحدهم تم تناوله في جريدة الجمهورية في بداية ثمانينات القرن الماضي.. ولي اهتمامات في المسرح وقد اعتليت خشبة المسرح في الجامعة بدور بطل لإحدى المسرحيات.. لي بعض المشاركات البسيطة في جريدة الراصد لكن ظروف الحياة التي يعرفها الجميع بالنسبة لجيلنا والتي كان الجميع يصارع في سبيل البقاء على قيد الحياة الأثر في عدم المتابعة والديمومة وجنس القصة فن جميل يتذوقه الأغلبية.
* كيف يتم توظيف التجارب والحيوات الإنسانية سردياً ؟  
- الحياة اليومية والتجارب عبارة عن مجموعة من القصص وعلى القاص اقتناص الفكرة أو حدث ليولد منه قصة تتقبلها مختلف المجتمعات الإنسانية وتكون هادفة لتغير واقع أو تلامس الشعور الإنساني للمتلقي.
*هل هناك حركة نقدية توازي ما يطرح من أنتاج سردي داخل المشهد الثقافي ؟
- المنتج الثقافي اليوم كثير جداً والأساتذة النقاد في حركة دئوبة لمواكبة هذا الكم الهائل من الإنتاج ولا يخفي على الجميع هناك الغث والسمين.. وإذا سمح لي المقام لأقول : كان الله في عون أساتذتنا النقاد.
* هل أنت مع توظيف الشعر في لغة القصة والرواية ؟
- يمكن للقاص الاستعانة ببعض الأبيات لضرورات القص لكن التوظيف بشكل مبالغ فيه شيئاً غير محبب فالشعر والقصة والرواية أجناس مختلفة ولكل منها مريديه.. أما اللغة الشعرية فيمكن للقاص الاستعانة بها في قصص بعينها لصلابة القطعة السردية مع الفكرة.
* كيف تقرأ إجرائيا واقع الإبداع في العراق وفي الوطن العربي ؟
- هناك نشاط إبداعي لا يمكن إغفاله في الوطن العربي عموماً والعراق خصوصاً وهو في حركة نمو سريعة وبروز أقلام محترفة كثيرة تتناولها أقلام النقد بما يليق فيها والواقع في عموم الوطن العربي يتمدد مع مرور الزمن بالمبدعين.

  

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

729 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع