الطباعة تحتضر والإبداع يغير وجهه، فهل يموت الكتاب؟

                

ربما تكون المقولة الشهيرة " الكتاب يُقرؤ من عنوانه" حقيقية في نهاية الأمر… إذ قد يصبح عنوان الكتاب كافيا لقارئ لا يريد قضاء ساعات يلتهم صفحات وصفحات كما كان الحال في الماضي القريب.

ايلاف / ميسون ابو الحب:أزمة الكتاب حقيقية في هذا الزمان، ولكنها لا تخص الكتاب وحده إذ تشمل وسائل التعريف والإعلام ونشر المعلومات. بل وتشمل الإبداع نفسه. نعم .. الإبداع. والمعنى هنا أن حضارتنا تتحول من نشر معلومات ونتاجات أدبية باستخدام الكتابة والطباعة إلى نشر معلومات ونتاجات أدبية باستخدام الوسائل المرئية والمسموعة … ومن هنا يعتقد البعض أن لجنة نوبل لم تخطئ عندما منحت جائزة نوبل للآداب لعام 2016 لمغن وموسيقي وكاتب أغان أميركي (بوب ديلان) وهو الذي يتمتع بشعبية واسعة رغم عدم امتلاكه شروط الأديب التقليدية أيا كان ما أنتجه من رسومات وتخطيطات وحتى من كتب. وهناك من قال أيضا إن تأثير ديلان على الجمهور أكبر وأوسع من تأثير الكثيرين من الأدباء الذين حازوا الجائزة قبله. ولكننا لن نناقش الشعبية ولا الانتشار.. فما يهمنا هو مصير الكتاب والإبداع.
 
هل يموت الكتاب؟
يقف العالم الآن على عتبة تغيرات ضخمة يصفها البعض بأنها حضارية تشبه ثورة الطباعة التاريخية التي قادها غوتنبرغ. ولكن هل يقبل العالم بهذه التغييرات الضخمة وينصاع لها؟ أم هل يرفضها ليجازف باتهامه بالتحجر وبالتخلف وبالتمسك بأساليب وأفكار بالية؟
الناشرون أنفسهم في حالة تخبط وضياع إذ يقوم عملهم على نشر الكتب والأعمال الأدبية ولكن كل ما يحدث الآن على الشبكة العنكبوتية يضعهم في موقف صعب. آلاف يكتبون في شكل مدونات دون الحاجة إلى دور نشر. وآلاف يمارسون مهمة النقد الأدبي من خلال الضغط على كلمة لايك أو نقيضتها أو من خلال التعبير عن وجهة نظرهم وآرائهم في جمل قصيرة. كل شئ قد تغير .. وقد يتحول الناشرون والنقاد إلى أصحاب مهن قديمة. فما العمل؟ هل سيموت الكتاب؟ لاسيما وأن مسوحات وإحصاءات تشير إلى تراجع القراءة خاصة بين الشباب.
ولكن مدافعين يقولون إن الكتاب لن يموت ما دام هناك أناس يكتبون. أما تحول الكتب من مادة ورقية إلى مادة رقمية فهو أمر لا يؤثر بالمرة على أهميتها بل يسهم بشكل أكبر في نشر الكتاب وتشجيع القراءة وتيسيرها لمن يريد. ويدعو هؤلاء دور النشر إلى تطوير أفكارهم وتوسيع آفاقهم واستغلال الانترنيت بشكل أفضل لدعم الكتاب والترويج له من خلال الجمع بين المكتوب والمرئي والمسموع أي بين الكلمات والصوت والصورة. ومعنى هذا في النهاية أنه إذا أريد للكتاب البقاء فيجب تطوير دور النشر نفسها كي تواكب التغيرات التكنولوجية ولا يهم إن كان الكتاب رقميا أم ورقيا.
ومع ذلك يشعر الناشرون بالقلق من تراجع الاهتمام بالكتب بشكل عام بشكليها الملموس وغير الملموس، ويصفون الوضع كالتالي: كان الكتاب ينقل معلومات ومعارف بأنواعها، وكان أيضا وسيلة التعريف بعمل إبداعي. أما اليوم فالمنافسة شديدة جدا لأن التلفزيون والانترنيت والسينما أصبحت تزاحمه كوسيلة للحصول على معلومة أو لاكتشاف إبداع. أما المكان الوحيد حيث ما يزال الكتاب يحتل فيه مركزا مهما ويحظى باحترام القراء فهو المدارس والمؤسسات التربوية. ومع ذلك، هناك من يتوقع أن تحتل الكتب الرقمية هنا أيضا محل الصدارة وأن يفقد الكتاب مركزه المرموق. أما الأسباب فعديدة بالتأكيد ومنها أن إنتاج كتاب رقمي أقل كلفة من إنتاج كتاب ورقي ثم إن جميع طلاب هذا العصر يستطيعون استخدام الكومبيوتر والانترنيت .. وإن حدث ذلك بالفعل يمكننا أن نقول بكل اقتناع بأن زمن غوتنبرغ قد ولى إلى غير رجعة.

كتاب أم تغريدة؟
ولكن أسباب زوال الكتاب لا تقتصر على منافسة الرقميات والوسائل السمعية والمرئية. هناك أيضا مسألة السرعة وقلة استعداد قارئ اليوم لتكريس ساعات أو أيام طويلة لقراءة نص سواء أكان في شكل ورقي أم رقمي. هذه السرعة وفكرة استغلال الوقت بشكل أكثر فعالية قد توجه الضربة القاضية للكتاب بالفعل. ففي عالم اليوم، يمكن تلخيص فكرة سياسية أو سرد قصة حياة عبر تغريدة مكونة من 140 حرفا لا غير. فهل سيموت الكتاب بالفعل؟ هل الكتب تحتضر؟
يجادل البعض رغم كل هذه المخاطر والطروحات بالقول إن الكتاب سيبقى حيا سواء أكان ملموسا باليد أم لا ما دام العالم ينجب أناسا يكتبون … فهل يكفي هذا؟
في عام 1983 كتب ميلان كونديرا يقول "قامت وحدة أوروبا في العصر الوسيط على دين مشترك. وبحلول العصر الحديث، عندما توارى إله العصور الوسطى، أخلى الدين مكانه للثقافة التي أصبحت تمثل القيم العليا. ومن خلالها تفاهمت البشرية الأوروبية وبها عرفت نفسها وشخصتها".
وفي العام نفسه، حضر ماريو فارغاس ليوسا محاضرة ألقاها عالم الأنثروبولوجيا ادموند ليتش في جامعة كامبردج وكان عنوانها "ثقافة الكتب ستموت" قال فيها إن المعلومات التي كانت تنتقل وتنتشر عن طريق القراءة ستجد وسائل أخرى تساعدها على الانتقال. ولم يكن ليتش مستاءا من كل ذلك بل كان يستمتع بوصف ما يرى وما يتوقع.
خلاصة القول إذن أن الطباعة خسرت موقع الصدارة وبدأ احتضار الكتب الورقية. بقي أن تنجح مواقع متخصصة بالكتب على الإنترنيت في الترويج للكتاب الرقمي بطريقة أفضل بحيث تجذب القراء

أما الإبداع نفسه فمستقبله غير مضمون هو الآخر.. قد يتحول إلى شكل جمل قصيرة وربما حتى إلى مجرد كلمات، فيما تتحول القصائد إلى أغاني (ديلان أفضل مثال على ذلك). وقد يأتي يوم تمنح فيه جائزة نوبل للآداب لمن ينجح في التعبير عن فكرة عميقة باستخدام أقل من عشر كلمات، أو ربما خمس. وعندئذ ستكون الثورة حقيقية، وسيتغير شكل الحضارة في العالم.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1209 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع