حميد الربيعي...الطائر الذي جدد موته مرتين

     

          حميد الربيعي...الطائر الذي جدد موته مرتين

   

 خاص- الكاردينيا :يعد القاص والروائي حميد الربيعي واحدا من أبرز الأسماء أللإمعة، ممن أسهم  في تأسيس ما يسمى ب " جماعة الرواية الجديدة "، له حضور مميز على مستوى المشهد الثقافي العراقي – العربي ،

صدرت له أربع روايات ومجموعتين قصصية ، ولا غرابة من أن يقدم الربيعي هذا الإنتاج الذي أبدع فيه وتميز بالفرادة والحداثة سواء في البناء القصصي أو الشكل الروائي في فترة زمنية قصيرة ، وهو الإنسان المتخم بوجع الآرث الحضاري الكبير الذي أخذت تزحف عليه كثبان الرمال المتطايرة على حافات مدن الطين الزاهية بعد ما نهشت فيه الغربان . وبغداد كانت ولا تزال حتى اليوم حزينة مستكينة لقدرها ولم تقطع سرة الوجع عنها ، ولم يتصور الربيعي يوما أن يخرج من بغداد لتنزف في قلبه وجعاً إلى الأبد،ترحل معه من منفى إلى أخر،ظل الربيعي في المنفى يحمل أسطورة المدائن "عروس المدن " التي تقاوم الظلم والاستبداد،والإقصاء والتهميش،والحصار والموت الزؤام،الذي فرض عليها من كل ناحية . ذابت معالم السارد الأصيل  في تراب الأرض الخضراء،والمدن الضاجة بالحياة،والقرى المتوجة بالطين " الحري "، والبسطاء المساكين ، والفلاحين المحرومين من وجه الحياة،والأطفال الذين حرموا من براءتهم النقية ،وظل أمينا لمعشوقته الأولى،فوحد العراق في وجه بغداد كما يتوحد جسد العالم كله  في وجه العراق،وإذا كان المكان الأول لذاكرة الإنسان اللاوعي السابق لتفتح الوعي لدى الإنسان الجمع هو حضن الوطن بترابه وموقعه بهذا المعنى حضوره في الإنسان أيا كانت مؤثرات الأزمنة والأمكنة التي عاشها بظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمرارات التي صاحبت تلك الحياة والخوف الشديد الذي أنتابه وهو يشاهد بأم عينيه ويسمع بأذنيه الجرائم التي أقترفها النظام.ساعد على تكوينه إنسان يوجس في نفسه خيفة ويحتاط  فيما يقول ويكتب إذ لم تزل تلك القوى الظالمة جاثمة على رقاب المجتمع ومقدراته التي لم تقدر يوما ، وقد غاب عنها العدل والحكمة والعقل ، وقد مر في حياته بمراحل  كان لكل منها أثرها في تكوينه الفكري والمعرفي والنفسي،واقترابه من حضن الأم وعامة الناس ،كما كانت دافعا قويا وراء تأليفاته السردية في القصة والرواية، في محاولة جادة منه أعادة حفر وبناء تشكيل تيار الوعي الجمعي..لذا نتوجه إليه بالأسئلة ،مع التقدير له ولكل المبدعين النازفين د ما في حب الإنسانية والوطن .

    

س :تجريب الرمزية والإيحاء والإيهام،ضرورة فنية أم محاولة خلق تيار وعي جديد في السرد ؟  
تتطلب الرواية الجديدة أساليب جديدة في طرح أنماطها،كي ما تستطيع مواكبة التطورات،التي حدثت  مؤخرا ، سواء على الصعيد العالمي أو الإقليمي،مما يعني بالضرورة تغيير أنماط الكتابة وجعلها أكثر حداثة عما كان سائد سابقا،هذا أدى بالنتيجة إلى قفزة نوعية في مجال كتابة الرواية و الهموم التي تعالجها على الصعيد الفني أو الفكري.نحن ألان في مرحلة ترسيخ هذه المفاهيم ، بعدما شاعت وأخذت  مكانتها بين الناس ،مما يتطلع في المرحلة اللاحقة تثبيت أسس المدرسة السردية الجديدة ومن ثم إعادة أنتاج طريقة الكتابة بموجبها.
س :اتجاه الغوص في التابو جاء كوعي لإعادة قراءة التاريخ،في رواياتك ؟
علينا أن نكون صادقين في أطروحاتنا ، أيضا علينا أن نستشف أفق القادم ،حتى نكون فعلا طليعة وعي ممارس على ارض الواقع،إنا أرى إن المجتمع العراقي والعربي ظل أطول فترة برواح في مكانة ويحاول عن حياء التماس الحضارة الجديدة ، لكن وفق مفهوم " مشتهي ومستحي "  . هذه المزاوجة في درجة التخلف لم تعد صالحة لهذا الزمن المتحرك بسرعة نحو أفق الإنسانية ، فكان لابد من الجرأة في طرح الموضوعات التي تعيق الانطلاق،أولها ذاك التابو الثلاثي،الذي فرضته هيمنة الدولة والتخلف الاجتماعي ، المتحجر منذ أجيال متعاقبة.
س :الموروث والأساطير تألق في السرد،ما مدى تعلق الرواية بهن ؟
ثمة منابع روحية وقيم ثقافية تشكلت في بدء التكوين ، عندما كان الإنسان يبحث عن تفسير الظواهر التي تحيط به ، هذه القيم بمقدار ما كانت نقية التوجه بمقدار ما كانت صادقة في طرح الحلول إمام معضلات الإنسان ، وهي بنفس الوقت استطاع الوجدان الشعبي من أعادة صياغتها بما يتطلب من عصرنه وتكافل،إمام تشظي المجتمعات الحديثة.ان اعادة سبر غور الأسطورة في السرد الحديث،إنما هو اتكاء على قيم إنسانية ، تستطيع إن تأخذ بيد الحضارة الحديثة في خلق أفق  معرفي، ينير درب الحياة ، في بناء مستقبلها
س: لو هيأ لك كتابة " دهاليز للموتى"  ثانية،كيف تكون ؟
لم يخطر ببالي هكذا فكرة،فانا أومن بان الرواية مثل الوليد،عندما يخرج لا تستطيع إعادة تكوينه - خلقيا - ثانية،هي خرجت هكذا وانأ مازالت،بعد سنة من صدورها ، مقتنع أنها خرجت بشكلها المناسب، ذلك إن الموضوعات التي طرقتها كانت جزء من حياة الناس وأصبحت الان حقائق بفضل كتابتها وتدوينها،على سبيل المثال ، كما ورد في الرواية ، إن مثلث تل محمد – تل حرمل – بوابة الرشيد كانت وستظل علامة فارقة بحياة أهل المدينة ، الأسلوب السردي الذي وردت به الرواية كان يستشف أفق الوقائع ويبني رؤياه بموجب الحقائق الحياتية، الاجتماعية والتاريخية.
س : أصدرت مؤخرا  قصص" بيت جني " أثارت ومازالت تثير جرأتها الكثير من الاحتفاء والاهتمام،وفيها صدمة مجتمعية ، فما الذي كنت تسعى له ؟
التاريخي ، لابد لهذه  الطلائعية  من ان تكون مؤثرة في تركيبة المجتمع ، سواء إن كان انيا أو لاحقا.الواقع الاجتماعي لمدينة بغداد وعموم العراق يحتاج إلى التفجير،بسبب كثرة الطرق عليه سابقا من الأنظمة فاتخذ جانب الركون والسكون،ثم ان المدينة بدأت تتآكل ، موروثها وأزقتها وبناياتها وحضارتها.لابد من نبؤة تقال بقوة ، كما وصف الروائي خضير فليح الزيدي المجموعة بان الكاتب طرح نبؤته بما سيحل بالمدينة والمجتمع ، من هذا الجانب أطلقت 15 فتاة مشاكسة وتثير الزوابع ورائها في أزقة المدينة.
س : تلعب المرأة دورا حيويا في حياة الكاتب،ما تمثله لك ؟
هي  ليس نصف المجتمع فحسب،بل خالقة الحياة كلها ، فهي تمثل النماء والخصب ، تلك المعادلة الوجودية والتي بموجبه خلقنا ، ولن نكون خارج أطرها . لا يمكن الاستغناء عن وجودها،على حد سواء في الشارع والمكتب والمقهى والحدائق والبيت ، فهي من تعيد ترتيب الحياة وتجملها بأنوثتها وتملئها شذا بعطرها وقامتها.كلنا نعشق المرأة لجمالها ، بيد عن خلف تلك القامة الممشوقة ثمة مساحات للإطلالة على خفايا الوجود والحياة ،علينا إن نغادر مرحلة الذكورة ونعيد الكرة إلى دور الأمومة التي ابتدأ التاريخ بها ، فعلى الأقل - الآن - نستطيع تجنب الحروب والويلات التي تعصف بحياة البشرية.

 

س : فعاليات نادي السرد والحراك الثقافي كيف تراه ؟
مزدهر ومزدان بوجوه فاعلة حقا في المشهد الأدبي وتحاول جاهدة ان تؤسس لشيء جديد في الحياة الثقافية العراقية ، بعدما ظلت لقرون تتخبط في فوضاها  واللا ابالية .
حاول نادي السرد جاهدا لان يبني علاقة جديدة في الوسط الأدبي ، في مجال الإبداع و التنظير أو الاحتفاء واستطاع ان يرسي مجموعة من القيم والركائز التي ستثمر بتعاقب الزمن ، لقد استطاع نادي السرد ان ينقل الرواية العراقية من أفق محدوديتها المحلية إلى رحاب المنافسة الإقليمية والعالمية ، وهو في النية خلال المرحلة القادمة إن يؤشر إلى ساحة السرد بوضوح من خلال الجهد المبذول الان بإقامة ملتقى وجائزة ، وأيضا بتأسيس جماعة الرواية الجديدة .
س : لو خيرت بين المنفى والوطن ، ماذا تختار ؟
لقد اجبرت على المنفى سابقا واخترت الوطن بإرادتي سابقا،كلا المرحلتين  بأوجاعها وأفراحها شكلت حياتي و خلقت أدواتي السردية .
 أنا الان بداخل وطن محاصر بالموت اليومي ويصل فيه الاختناق حد الثمالة ولا يلوح في الأفق أية بارقة أمل في أعادة بناءه أو هيكلة المجتمع والدولة وفق أسس مدنية وحضارية ، ثمة إيغال في الدم بشكل مرعب ويومي وثمة اصرار لدى الآخرين بالبقاء " مكانك راوح " ، حيث لا تتوفر الرغبة الفعلية بالتغيير، بين الناس أو بين المجتمع ومؤسسة السلطة.هذه المعادلات تقلقني،وأحيانا تدفعني للندم باختياري العودة طواعية ، إنا أتمنى حياة إنسانية جميلة ومزدهرة ، يمتع المرء فيها بقيمته كانسان وكوجود ،  بعض الأحيان ينتابنا اليأس وأحيانا القنوط ، بيد إن الحياة لن تبقى راكدة،كما يريد البعض،هي عجلة  تدور،وستدور حتما.
س:هل من كلمة أخيرة .
كل أمنياتي لكم بالتوفيق والنجاح ،وأن مجلة الكاردينيا تأخذ مجالها في نشر الثقافة والوعي لتغدو واحدة من المنارات في الحراك الثقافي ،ولرئيس تحريرها الأستاذ جلال چرمگا،التوفيق والنجاح والحضور الدائم والمثابرة في أثراء الثقافة العراقية.


  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

915 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع