مغيبو الاحتجاجات العراقية: ناشطون طالبوا بالدولة المدنية فاختفى أثرهم

   

العربي الجديد:ما زال الكثير من الناشطين والمدونين العراقيين في غياهب المجهول، على الرغم من مرور أشهر على اختطافهم من قبل جماعات مسلحة، لمشاركتهم في التظاهرات أو دعمها. إلا أن 15 شخصية بارزة منهم تتصدر الملف، كونها من الوجوه المحلية البارزة، أو من الذين حالفهم الحظ في وجود من يواصل رفع قضيتهم بلا كلل.

وعلى الرغم من الوقفات والاستنكارات التي يطلقها محتجون وناشطون حقوقيون في بغداد ومحافظات وسط وجنوب البلاد، إلا أنها لم تحصد أي نتائج إيجابية على صعيد إطلاق سراح المغيبين، أو حتى معرفة مصيرهم، أحياء كانوا أم أمواتا، والذين تُتهم المليشيات الموالية لإيران بتغييبهم وتصفية بعضهم في ظروف غامضة.


ولا يمكن اعتبار الملف مفصولاً عن قضية الاختفاء القسري في العراق، مع وجود أكثر من 20 ألف مختطف خلال السنوات الخمس الماضية، من مناطق شمال وغرب العراق، وتُتهم المليشيات ذاتها بالتورط في إخفائهم. لكن اختطاف الناشطين من وسط بغداد علناً، وفي وضح النهار، لأسباب سياسية هو ما يمثل علامة بارزة بين جيوش المختطفين في العراق.
ومن أبرز الوجوه التي اختفت منذ اندلاع تظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019، المحامي العراقي علي جاسب، والكاتب البارز مازن لطيف، وصحافي التحقيقات توفيق التميمي، والمدون والناشط عبد المسيح روميو سركيس، ومحمد موديل، وحيدر البابلي، وعلي ساجت، وأخيراً الناشط من مدينة الناصرية سجاد العراقي. ويذكر العراقيون أن أسماء غُيبت أيضاً، ولم تعد تُذكر في الإعلام، مثل جلال الشحماني وفرج البدري. وترجح مصادر أمنية عراقية أن الإسمين الأخيرين قتلا عقب اختطافهما، وتم التخلص من جثتيهما.

وأكدت مصادر من بين المحتجين والناشطين في بغداد، لـ"العربي الجديد"، أن أكثر من 5 فرق من المحامين شرعوا بالعمل للبحث عن المغيبين قسرياً من المحتجين، من خلال البحث في الأماكن التي يشتبه أنهم محتجزون فيها، والتي تسيطر عليها مليشيات يُطلق عليها تسمية "الولائية"، وهي عبارة باتت تلصق بالجهات المسلحة الموالية لإيران. إلا أن هذه الفرق تنازلت عن مهماتها وانسحبت من ساحات الاحتجاج العراقية بعد أن طاولتها سلسلة من التهديدات. وأضافت أن "التحقيق في ملف المغيبين يعني المواجهة الحتمية مع ذات الفصائل المسلحة المتهمة بقتل المحتجين".

وكان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قد أكد، في وقت سابق، أن ممارسات غير قانونية تمارس ضد العراقيين، واعداً بمتابعة ملف المغيبين قسراً "بشكل جدي". إلا أن مسؤولين عراقيين أكدوا أن الحكومة لم تشرع بأي فعل تجاه الجهات المتهمة بتغييب الناشطين المشاركين والداعمين لتظاهرات "تشرين"، فيما يعتمد الكاظمي على مستشارين يعتمدون على مواقع التواصل الاجتماعي في إجراء حصر دقيق للمختطفين والمغيبين.

وتواصلت "العربي الجديد" مع جاسب حطاب الهليجي (والد المغيب علي جاسب)، إضافة إلى أحد أقرباء الكاتب مازن لطيف، وناشط مقرب من المختطف سجاد العراقي، وجميعهم أكدوا أنهم لم يعرفوا أي مستجدات من القوات العراقية بخصوص المغيبين، كما أنهم لم يستبعدوا احتمالية تصفيتهم. وبينوا أن "الجهة الخاطفة هي ذاتها التي قتلت المتظاهرين، والتي تضررت مصالحها بسبب انتفاضة تشرين".

أما الناشط والمحامي أحمد المحمداوي، وهو من مدينة النجف، فقال لـ"العربي الجديد"، إن "هناك جهات عدة متورطة في تغييب الناشطين، بعضها مسلحة وأخرى سياسية تضررت من أصوات المحتجين. والكثير من المختطفين، في النجف وبغداد وبقية المحافظات، الذين أطلق سراحهم كانوا يحملون آثار تعذيب وخوف. ولكن من زاد غيابه عن أكثر من شهر ونصف الشهر، بات في عداد المغيبين، وبعضهم تمت تصفيته بحسب مصادر أمنية وأخرى محلية". وأشار إلى أن "الإعلام العراقي لا يذكر كل المغيبين الذين يزيدون عن 15 مغيباً، لأن كثيراً منهم لم يكونوا معروفين قبل تغييبهم، مثل سامر عبدالله وإيهاب سمران، وهما ناشطان من محافظة النجف. كما أن الناشط المعروف أحمد الحلو لا يزال مغيباً منذ أكثر من 10 أشهر، ولا توجد أي معلومة عن مكان تواجده".

وفي السياق، قال مصدر من وزارة الداخلية العراقية، لـ"العربي الجديد"، إن "لدى الأجهزة الأمنية إثباتات كثيرة وشهود كافين للتوصل إلى الجناة الذين اختطفوا الناشطين وباتوا مغيبين بعد مرور أكثر من عام على اختطافهم، ولكن لا توجد أي أوامر عسكرية أو أمنية للمباشرة بملاحقة المتورطين"، مؤكداً أن "معظم المتورطين ينتمون إلى فصائل مسلحة توالي إيران". وأضاف أن "آلية الاختطاف وطريقتها كانت منهجاً موحداً عند كل المليشيات، وتمت من خلال طريقتين: الأولى عبر قوة السلاح، والثانية من خلال استخدام الكمائن والإيقاع بالضحايا من خلال مواعيد كاذبة. وكانت طريقة اختطاف المحامي علي جاسب واحدة من هذه الصور، بعد أن أوقعت به امرأة متعاونة مع فصيل مسلح"، متوقعاً أن "معظم المغيبين المعروفين تمت تصفيتهم، ولكن لا أحد يعرف أين جثثهم".

بدوره، أشار عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق فاضل الغراوي إلى أن "عدم فتح ملف المغيبين يدل على قوة الجهات الخاطفة، وهي المليشيات التي تؤثر كثيراً على الوضع الأمني في البلاد. كما أن هناك تذبذباً في مواقف السلطات الرسمية من إعطاء الضوء الأخضر للأجهزة الأمنية لحسم ملف المغيبين قسراً". وأوضح، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "هناك الكثير من الأدلة والشواهد ومقاطع الفيديو التي تدل على الجهات الخاطفة، والتي مارست القمع المفرط مع المحتجين منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية. ولكن لا توجد أي قدرة لدى الحكومة العراقية على ملاحقة الجناة، بل إن بعض المسؤولين في الحكومة يشيعون الأكاذيب والافتراءات، بالقول إن بعض الناشطين المغيبين هربوا إلى خارج العراق".
وكان مجلس القضاء الأعلى العراقي قد أعلن، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عن إطلاق سراح 2626 من المتظاهرين السلميين.‎ وأفاد إعلام المجلس، في بيان، أنه "ما يزال 181 موقوفاً جاري التحقيق معهم عن الجرائم المنسوبة إليهم وفق القانون". ويواصل المتظاهرون في بغداد، ومحافظات وسط وجنوب العراق، احتجاجاتهم مطالبين بمحاكمة المتورطين بقتل المتظاهرين، وإجراء انتخابات مبكرة وفق قانون انتخابات عادل ونزيه.

من جهتها، قالت الصحافية العراقية أفراح شوقي، والتي تعرضت سابقاً للاختطاف والتغييب، إن "حكومة مصطفى الكاظمي متهاونة بشكل كبير في هذا الملف، الأمر الذي دفع ناشطين لاعتبارها مشاركة بالخذلان والفشل. مع العلم أن ملف تغييب المتظاهرين والناشطين يندرج ضمن ملف قتلة المتظاهرين". وأكدت، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك سجوناً سرية يُحتجز فيها الناشطون العراقيون، وقد فشل الكاظمي في الوصول إليها". وقالت "هناك تورط واضح جداً لجهات مسلحة مدعومة سياسياً من داخل العراق، وكثيراً ما اشتكى القضاة في المحاكم من عدم تمكنهم من تسلم دعاوى التغييب والاختطاف، بسبب الخطر المحدق بأرواحهم، ولأنهم يعرفون تماماً الجهات المتهمة والمتورطة، وعادة ما يتنصل القضاة عن مثل هذه القضايا... والسلطات العراقية لا تملك القوة الكافية لمواجهة هذه الجهات الخطيرة".

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1105 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع