العراقيون يعيدون لبضاعتهم المحلية قيمتها زمن الحجر

          

فرض وباء كورونا على الموردين والمهربين قيودا صارمة، فتوقفت تجارتهم للسلع الرخيصة التي لا تخضع للشروط الصحية يمررونها في غياب الرقابة الصارمة، وعاد العراقيون يستهلكون منتجات بلادهم لتنتعش المؤسسات دون منافسة في الأسعار وتطلب مزيدا من اليد العاملة، كما انتعش صيد السمك ليصبح في متناول عامة الناس.

العرب/البصرة (العراق) – شراء المنتجات التركية أو الإيرانية أو الأردنية أمر اعتيادي في العراق، بلد النخيل الذي يستورد حتى التمر من الخليج.

واعتاد التجار والمهربون على جلب السلع الرديئة التي تدر عليهم أرباحا طائلة وتضر بالمستهلكين، لكن الحظر العالمي المفروض جراء تفشي وباء كورونا بدأ يغيّر المعادلة على مهل.

يقول أمين قاسم “بصراحة رغم أن الوباء الذي أودى بنحو 170 شخصا في العراق، لكنه (يُعتبر) نعمة من جانب آخر”.

ويشير الرجل، الذي يملك مصنعا لإنتاج المثلجات في مدينة البصرة الجنوبية، إلى أن “الأزمة سمحت لنا بأن نثبت أنفسنا في السوق العراقية بعد أن عادت منتجاتنا للرواج ويقبل عليها المستهلكون”.

ففي السابق، وأمام المنتجات الأجنبية، لم تكن للمنتجات التي وضع عليها ختم “صنع في العراق” أي فرصة، بسبب ثمنها الباهظ وكمياتها المحدودة وإنتاجها الذي يحتاج إلى وقت طويل. وبالتالي لم يكن لدى المنتج المحلي كل عوامل الجذب في مقابل سلسلة المنتجات المستوردة التي تنافس البضاعة المحلية بأثمانها الرخيصة.

وكانت تلك البضائع تستورد بمبالغ ضخمة وتصل إلى الأسواق بسبب الفساد في المنافذ الحدودية الذي يحوّل البضائع التي ترفضها الدول المجاورة، لأنها غير صالحة للاستهلاك البشري، إلى العراق وتدخل بسهولة. بل هناك بضائع إيرانية وتركية ترفض السلطات هناك تداولها في أسواقها، بسبب مخالفتها الشروط الصحية، يتم نقلها إلى العراق في ظل غياب الرقابة، وتصل إلى بغداد بوثائق مزورة بالتواطؤ مع بعض الضباط الفاسدين في جهات رقابية معنية بمتابعة نوعية المنتج وصلاحيته. تقول الحاجة أم محمد عن صلاحية البضائع الصينية، “لقد هلكتنا هذه البضائع، فعمرها قصير كعمري، أما زوجها أبومحمد فيعلق قائلا إن “البضاعة العراقية لها طعمها الخاص، صحيح أنها غالية الثمن لكنها مضمونة الصلاحية، فالعراقي يخاف على العراقيين”.

ويرى الخبراء أن غض النظر عن استيراد مختلف السلع ساهم في القضاء على الصناعة والزراعة العراقيتَيْن، بسبب فتح الحدود أمام البضائع الرديئة دون رقابة. وإثر إغلاق الحدود مع الدول المجاورة في ظل الحظر العالمي، تمكنت المصانع العراقية من الدخول إلى اللعبة مجدداً بعد أن انخفضت أعدادها بشكل كبير خلال عقد من الحصار الدولي وسنوات العنف والحروب المتكررة.

يقول قاسم، وهو الذي يدير ثلاثة آلاف موظف في معامله للمثلجات والمواد الغذائية التي يصدرها من البصرة إلى باقي محافظات العراق، “لقد تمكنا من استعادة أسواق كانت سحقتنا فيها الصادرات”.

ويضيف، “لم نعد بحاجة إلى خفض الأسعار في مواجهة الآيس كريم الإيراني الرخيص لتجنب الخسارة”.

والأرقام في العراق مضللة؛ فإذا كان الميزان التجاري لا يزال يسجل فائضا كبيرا، فذلك لأنه يتضخم بشكل مصطنع جراء النفط.

في عام 2018، ووفقاً لمنظمة التجارة العالمية، صدّر العراق ما قيمته 97.2 مليار دولار من السلع والخدمات، لكنها كانت بنسبة 98 في المئة من النفط والغاز.

وفي الوقت نفسه، استورد بمبلغ 70 مليار دولار سلعاً استهلاكية وخدمات متنوعة مثل الكهرباء والطماطم والسيارات والدجاج المجمد.

اليوم، ومع انخفاض أسعار النفط بثلاثة أضعاف تقريباً، فإن العراق يقف على حافة هاوية مالية.

وقد بدأ بالفعل فرض ضرائب على الواردات يطالب بها المنتجون المحليون المتضررون منذ سنوات، وبالتالي ارتفع الدخل الجديد من 2.5 مليون دولار في النصف الأول من أبريل، إلى 7.3 مليون دولار في مايو.

ولتقليص مشترياته في الخارج، ستنخفض الواردات العراقية من 92 مليار دولار في 2019 إلى 81 مليار دولار في 2021، وفقاً لصندوق النقد الدولي.

وبالفعل، تراجعت الواردات الصينية في أبريل مما يقارب مليار دولار قبل أربعة أشهر إلى 775 مليون دولار، وفقاً لأرقام رسمية من بكين.

أما من الجانب الإيراني، فانخفضت الواردات من 450 مليون دولار شهرياً إلى 300 مليون دولار، ولكن فقط مع إعادة فتح النقاط الحدودية من جهة كردستان العراق مؤخراً. وفي هذا السياق، صار تنويع الاقتصاد واستئناف الصناعة التي تضررت كثيرا خلال الحروب، أمراً ضرورياً اليوم.

وباتت الدولة، التي لم تعد قادرة على التوظيف، تعتمد على القطاع الخاص لخلق الثروات والوظائف.

يعمل هادي عبود في إنتاج الأنابيب البلاستيكية. وإضافة إلى القطاع الخاص المنعدم تقريباً، والنظام المصرفي المتذبذب، والضرائب البسيطة على الواردات، عليه أيضاً أن يواجه منافسين بعملة متدهورة مثل إيران، وإنتاج بتكاليف الحد الأدنى مثل الصين.

ولكنّ الرجل ذا الشعر الأبيض المصفف بعناية، يؤكد أن الانتعاش في خضم أزمة كورونا كان مذهلاً. ويقول، “الآن أبيع الأنابيب البلاستيكية قبل تصنيعها”. ومع الطلبات الكبيرة للمواد المختومة بـ”صنع في العراق”، يؤكد مدير المصنع اليوم أن “الوضع تغير بشكل جيد”.

وأكثر الذين لمسوا التغيير في مدينة البصرة الجنوبية الساحلية الوحيدة في البلاد، هم الصيادون وتجار الأسماك.

يقول بائع السمك محمد فاضل، الذي ينصب بسطته في السوق المركزية يومياً، “منذ نحو شهر، ازداد عدد الأسماك”.

ويوضح أن “الكويتيين والإيرانيين لا يخرجون الآن”، وبالتالي فإن الصيادين العراقيين باتوا يسيطرون على المياه وأسماكها. ونتيجة لذلك، يقول فاضل إن الصيد صار معجزة إلى درجة أن سعر كيلو سمك الزبيدي “انخفض من 20 إلى 11 ألف دينار” أي بنحو تسعة دولارات.

ولم يتزايد الرزق في البحر فقط، فلتلبية الطلب الجديد يخطط هاني عبود لفتح أبواب التوظيف، ورفع عدد موظفيه قريباً من 100 إلى 150.

وفي أقدم سوق للسمك، المعروفة بسوق البصرة والتي تم بناؤها في 1946، يقول محمد فاضل الذي يعمل تاجر سمك أبا عن جد، “كنت أفكر في أن أترك هذه التجارة بعد أن كسدت لكنها اليوم تشهد انتعاشا”، مضيفا، “كما ترى فإن أهالي البصرة لا يستطيعون العيش دون السمك. فبعد أن كان الناس يشترون السمك من إيران ودول شرق آسيا، عادوا اليوم لشراء السمك المحلي”.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

717 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع