هل كان صهر عبد الناصر عميلا للموساد؟.. تفاصيل يكشفها لأول مرة مُشغِّل أشرف مروان

       

 لا يزال الجدل قائما إلى الآن فيما إذا كان أشرف مروان عميلا مزدوجا

الحرة:نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية تفاصيل مقابلة أجرتها مع عميل الموساد السابق الذي قالت إنه كان "مُشغّل" المصري أشرف مروان، صهر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، الذي تقول تقارير إسرائيلية إنه كان عميلا لإسرائيل، بينما ينفي مسؤولون مصريون هذه الرواية، فيما يرى آخرون أنه كان عميلا مزدوجا.

ظل أشرف مروان واحدا من أكثر الرجال غموضا في عالم التجسس والاستخبارات ، وظلت حياته وولاءاته وعلاقاته وثروته وحتى موته موضع الكثير من التساؤلات والتكهنات، ولكن دون الحصول على إجابات محددة وقاطعة.

وأنتجت خدمة البث الرقمي "نتفليكس" فلما روائيا طويلا عنه يشير إلى أنه كان يعمل لدى الموساد، لكن المسؤولين المصريين رفضوا هذه المزاعم، وبعد وفاته في لندن في يونيو 2007، أقيمت له جنازة رسمية في القاهرة حضرها كبار المسؤولين آنذاك وكان جثمانه ملفوفا بعلم مصر.

وفي محاولة للإجابة على هذه التساؤلات، أجرت صحيفة هآرتس مقابلة مع عميل الموساد "دوبي" (86 عاما) الذي تحدث علنا لأول مرة عن مروان.

"دوبي" حكى خلال المقابلة عن تاريخه الممتد (المفترض) لمدة 28 عاما مع مروان منذ أول مقابلة بينهما في لندن في ديسمبر 1970. قال "دوبي" إنه التقى أشرف مروان الذي سيصبح فيما بعد "أحد أهم العملاء الإسرائيليين"، بعد حوالي ثلاثة أشهر من وفاة عبد الناصر.

التقى الاثنان في فندق رويال لانسكتر. قام دوبي بمصافحته، وتحدث معه بالعربية، ثم صعدا إلى غرفة في الفندق، وفي الغرفة استمرت المقابلة نحو ساعتين، قدم خلالها مروان لعميل الموساد المعلومات التي بحوزته عن الجيش المصري.

قال دوبي إن مروان قرأ من وثائق كانت بحوزته أعداد جميع الوحدات في الجيش المصري، الفرق والألوية والكتائب، وأبلغه بأسماء القادة.

فوجئ دوبي بهذه المعلومات، فهذا الكم الهائل من المعلومات كان بمثابة "حلم" لأي ضابط استخبارات. وتقول التقارير الإسرائيلية إن مروان لعب دورا كبيرا فى إمداد إسرائيل بمعلومات استراتيجية عن الجيش المصرى، لاسيما قبيل حرب أكتوبر 1973، بالنظر إلى أنه عمل مستشارا أمنيا وسياسيا للرئيس الراحل أنور السادات.

وبحسب هآرتس، كان لدى إسرائيل اهتمام بمعرفة قدرات الجيش المصري "الكيماوية" في ذلك الوقت، وهو ما تم التطرق إليه خلال المقابلة الأولى، لكنه لم يكن يمتلك معلومات حينها، لكنه وعد بإمدادهم بمعلومات في المقابلة التالية، وبالفعل أبلغ "دوبي" بكل ما بحوزته من تفاصيل استطاع الحصول عليها.

وقال الصحيفة إن "دوبي" التقى مروان حوالي 100 مرة على مدى نحو ربع قرن، في الفنادق وفي أماكن أخرى آمنة. كان المكان الرئيسي للمقابلات هو لندن، لكنهما التقيا أحيانا في روما وباريس.

قام "دوبي" بتدريب مروان على استعمال أجهزة الاتصالات السرية، وأعطاه جهازا لاستخدامه في القاهرة لكنه لم يستعمله أبدا خشية أن يتم اكتشاف أمره.

ويشير دوبي إلى أن مروان في يوم الرابع من أكتوبر، أي قبل اندلاع حرب أكتوبر عام 1973 بيومين، أجرى مروان مكالمة هاتفية بدوبي في منزل امرأة يهودية بريطانية في لندن كانت حلقة الوصل بينهما. أبلغه بواسطة "شفرة سرية" أن الحرب "وشيكة".

معلومات حساسة

اتفق الاثنان على أن يلتقيا في اليوم الثاني (الخامس من أكتوبر) في لندن، في مقابلة حضرها رئيس الموساد في ذلك الوقت تسفي زامير شخصيا.

وخلال المقابلة لم يهتم زامير بسؤاله احتمالية نشوب حرب رغم ما دار في المكالمة السابقة والتقارير الاستخباراتية في ذلك الوقت لأنه لم يصدق أن ذلك ممكنا، فبدلا من ذلك، سأله عن قضايا أخرى مثل الاتحاد بين مصر وسوريا، لكن مروان أصر على الاهتمام بالقضية الأساسية وقال: "دعونا نتحدث عن الحرب" وأبلغ الحاضرين في الاجتماع أن هناك احتمالا بنسبة 99 في المئة أن تندلع الحرب في اليوم الثاني (السادس من أكتوبر)، فقال له زامير: "لماذا يوم السبت؟" فرد لأنه "هذا ما تقرر. إنه يوم عطلة في بلادكم (في إشارة إلى يوم الغفران)". مروان أبلغهم أيضا أن الحرب ستنطلق بشكل متزامن من سوريا ومصر، وعن التوقيت، قال: "عند غروب الشمس".

أبلغ مروان إسرائيل أن الإعداد للحرب استمر نحو ستة أشهر وأن السادات حدد الموعد النهائي في يوم 25 سبتمبر من دون أن يعلم أي شخص بهذا الموعد. مروان قال أيضا إن الجيش المصري بأكمله كان على الجبهة بحلول هذا التاريخ.

وكانت الخطة المصرية تتمثل في خرق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في نهاية حرب الاستنزاف 1970 وذلك بإطلاق نيران المدفعية وشن غارات جوية، ثم عبور القناة بواسطة جسور. كانت الفكرة في المرحلة الأولى هي الاستيلاء على أراض في سيناء لا يزيد عمقها عن 10 كيلومترات وبعد ذلك، إذا ظهرت إمكانية، التقدم مسافة 35 كيلومترا أخرى. وفي الشمال، كان على السوريين فرض سيطرتهم على أكبر قدر ممكن من مرتفعات الجولان.

زامير الذي كان شعر بالحيرة، هل يبلغ إسرائيل باحتمالية وقوع حرب أم لا، بالنظر إلى أن فشل توقعات سابقة، قرر أخيرا الاتصال بمدير مكتبه في إسرائيل وأبلغه بأن حربا ستندلع عند غروب شمس يوم السادس، وهو الذي قام بدوره بإبلاغ رئيسة الوزراء غولدا مائير.

كيف التحق بالموساد؟

دوبي روى للصحيفة عن بدايات تعيين مروان عميلا للموساد، مشيرا إلى أن الملحق العسكري في السفارة الإسرائيلية في لندن أبلغ مدير عمليات الموساد في أوروبا شموئيل غورين أنه كان يتلقى مكالمات عديدة "مزعجة" من شخص يدعى أشرف مروان في هواتف مكتبه وفي منزله.

النقطة الفارقة هنا هي أن قرر غرين أن يلتقي بهذا الشخص رغم أنه لم يأخذ الاحتياطات الكافية للتحقق من خلفيته والتأكد من أنه غير مراقب، ورغم ذلك رتب المقابلة الأولى التي تمت مع دوبي في لندن.

ويقول دوبي إن مروان حول الاتصال بإسرائيل حتى خلال حياة عبد الناصر، ففي أبريل من العام 1970، أي قبل وفاة عبد الناصر بحوالي أربعة أشهر، اتصل بالملحق العسكري في السفارة في لندن، لكنه لم يتلق ردا منه، لكنه لم ييأس واتصل مرة أخرى، بعد ذلك، ونجح في تلك المرة بفضل غورين.

ويقول دوبي إنه كان يتصل بإسرائيل عن طريق الملحقين العسكريين لأنه كان هناك اعتقادا وسط المسؤولين المصريين أنهم في الواقع عملاء للموساد.

الدافع

ويعتقد دوبي أن دافع مروان الأساسي في تقديم خدماته كان الحصول على المال. حصل العميل الجديد في بداية عمله مع الموساد على بضعة آلاف من الدولارات، لكن ذلك لم يكن كافيا بالنظر إلى "المعلومات الهامة" التي كان يقدمها لإسرائيل، فطلب 20 ألف دولار، وهو ما يساوي حاليا نحو 100 ألف دولار، بحسب دوبي.

كان هناك رفض من قبل غورين وكبار موظفي الموساد لدفع هذا المبلغ الكبير، لكن دوبي أوصى بتلبية طلبه، وهو ما قوبل بالموافقة. هذا المبلغ تضاعف بمرور الوقت، حتى وصلت قيمة أتعابه بأرقام اليوم إلى حوالي مليون دولار، وكانت المبالغ تعطى له نقدا وفي حقائب تماما "مثل الأفلام"، بحسب دوبي.

السبب الثاني في اعتقاد دوبي هو تقديره وإعجابة بالموساد الذي استطاع رسم صورة قوية عنه بعد حرب 1967 بينما اهتزت صورة عبد الناصر. ويرى دوبي أن مروان أراد الانتقام من عبد الناصر بسبب العداء الذي كان بينهما ورغبة عبد الناصر في تطليق ابنته منه.

وعلى الرغم من أن مروان كان مقربا من السادات، إلا أن علاقته به لم تكن جيدة ولا بزوجته وأولاده، وكان مستاء من فكرة أنه كان مثل "خادم العائلة" فقد كان يكلفه السادات بمرافقة عائلته في الرحلات.

انتهاء رحلته مع الموساد

يقول التقرير إن مروان، بعد انتهاء الحرب وبعد أن جمع ثروة من صفقات السلاح، أبلغ الموساد أنه لم يعد بحاجة للمال فطلب منه التوقف عن دفع أتعاب له نظير خدماته، مع وعد باستمرار العمل بشكل ودي " ومن منطلق الصداقة" وبالفعل، يقول دوبي، إنه واصل إمداد الموساد بالمعلومات مجانا.

ويشير إلى أن مروان كان أيضا على اتصال بأجهزة استخبارات دول أخرى مثل إيطاليا والمملكة المتحدة، لكن الموساد كان الجهاز الوحيد الذي دفع له المال.

أهمية مروان كانت بالغة الأهمية خلال حرب أكتوبر واتفاقيات فصل القوات في سيناء وخلال معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية في عام 1979، لكن بعد ذلك تراجعت مكانته بالنسبة للسادات وقام بتكريس معظم وقته لأعماله التجارية، لذا تقلصت مساهمته الاستخباراتية لإسرائيل.

قالت هآرتس: "كانت المعلومات التي واصل تقديمها عن مصر في عصر السلام والعلاقات في العالم العربي مهمة، ولكن كان من الواضح لجميع المعنيين أنها لم تكن بنفس المستوى في وقت الحرب".

من كشف عن اسمه؟

يقول دوبي إن مدير الموساد في ذلك الوقت تسيف زامير اتهم إيلي زيرا، الذي كان على رأس الاستخبارات العسكرية خلال الحرب، بالمسؤولية المباشرة عن وفاة مروان، زاعما أنه "عمل بلا كلل" على كشف اسمه للعلن، وهو ما حدث بالفعل عام 2002 عندما تم تسريب اسمه لصحيفة الأهرام المصرية.

وتشير الصحيفة إلى أن زيرا رأى في تقييمه يوم السادس من أكتوبر أن قيام حرب احتمال "ضعيف"، وبعد اندلاع الحرب، اتهمت لجنة تحقيق خاصة زيرا بالمسؤولية عن الفشل الاستخباراتي واضطر إلى الاستقالة.

ومنذ 25 عاما، حاول زيرا "إصلاح سمعته، جزئيا من خلال العمل على تحميل الموساد تلك المسؤولية لذلك أشاع فكرة أن أشرف مروان كان عميلا مزدوجا، وأن ذلك كان السبب وراء فشل إسرائيل في توقع الهجوم العربي في ذلك اليوم".

وفي ديسمبر عام 2002 تم تسريب اسمه لصحيفة الأهرام عن طريق أستاذ علوم سياسية من أصل إسرائيلي كان يعمل في جامعة كينجز كوليدج في لندن، يدعى أحرون بريغمان الذي أبلغ الصحيفة أن مروان كان "عميلا مزدوجا".

ويقول دوبي إنه حذر مسؤولي الموساد عدة مرات من تصرفات زيرا، حتى وجد مروان ميتا في شقته في لندن عام 2007.

وقال دوبي للصحيفة إن أحد أهم أسباب تحدثه علنا الآن هو رغبته في دحض فكرة أن مروان كان "عميلا مزدوجا"، الفكرة التي روج زيرا لها.

وتشير هآرتس إلى أنه في عام 2007، وصلت القضية المحاكم الإسرائيلية، عندما نظر قاضي المحكمة العليا السابق ثيودور أور في قضايا تشهير متبادلة بين زامير وزيرا. أكد أورا في حكمه أن مروان "لم يكن عميلا مزدوجا وأن زيرا قد سرب اسمه إلى الصحفيين والكتاب".

ونظر الادعاء العام في إسرئيل أيضا في إطلاق إجراءات جنائية ضد زيرا، على أساس قيامه بكشف أسرار للدولة، لكن في عام 2012، أعلن المدعي العام يهودا وينشتاين عدم توجيه اتهامات له على الرغم من "خطورة أفعاله" بالنظر إلى سنه حينها (84 عاما) وبالنظر إلى خدماته لإسرائيل.

دوبي قال في المقابلة: "لقد كان (مروان) أهم جاسوس لدينا، المعلومات التي قدمها ساهمت في تعزيز أمن إسرائيل... لسوء الحظ، في أهم لحظة، في حرب يوم الغفران، فشلت إسرائيل لأنها لم تستجب لتحذيراته".

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

913 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع