سجال حول وجود داعش في العراق مظهره أمني وخلفياته سياسية

     

استمرار تهديد الإرهاب للعراق بعد الهزيمة العسكرية التي لحقت بتنظيم داعش، حقيقة مؤكّدة يُجمع عليها السياسيون وخبراء الشؤون الأمنية وتسندها الوقائع القائمة والأحداث الدائرة على الأرض، لكنّ مثار الجدل واختلاف الآراء هو حول التوظيف السياسي لورقة الإرهاب في العراق من قبل القوى المتصارعة على النفوذ في البلد.

بغداد/بغداد - تحوّل وجود تنظيم داعش في العراق وحجم التهديد الذي مازال يمثّله بعد إعلان النصر العسكري عليه، إلى موضوع لسجال ساخن مظهره أمني وخلفياته سياسية لا تنفصل عن صراع النفوذ في البلد والذي يبرز فيه قطبان رئيسيان هما إيران من جهة والولايات المتحدة من جهة مقابلة.

وكثّفت واشنطن التي قادت تحالفا دوليا شارك بفعالية في الحرب ضدّ تنظيم داعش، في الآونة الأخيرة من تحذيراتها بأن التنظيم مازال يحتفّظ له بوجود على الأراضي السورية والعراقية وأنّ مخاطره على الأمن الإقليمي وحتى الدولي مازالت مرتفعة.

ولا تفتقر التحذيرات الأميركية إلى سند واقعي متمثّل في مواصلة التنظيم تنفيذ عملياته الدموية والتي بلغت مداها في الكمين الذي نصبه قبل أيام لقوّة من الحشد الشعبي في الحويجة بجنوب غرب مدينة كركوك بشمال العراق أودى بسبعة وعشرين عنصرا من عناصر الحشد، غير أنّ موضع الجدل هو الهدف من تلك التحذيرات وخلفياتها، حيث لا يتردّد البعض في القول إن واشنطن ترمي من ورائها لتبرير بقاء قوّاتها على الأراضي العراقية، بل زيادة عددها، وانتزاع دور دائم لها هناك متمثّل في مقارعة التنظيم وقيادة الحرب ضدّه.

وتعليقا على هجوم كركوك أصدرت السفارة الأميركية في بغداد بيانا، أدانت فيه العملية دون أن تنسى التأكيد على أن “المعركة ضد داعش في العراق لم تنته بعد، رغم انتهاء الحملة العسكرية ضده”، وهذا المعطى الأخير بات من ثوابت الخطاب الأميركي الرائج بشأن الأوضاع الأمنية في العراق.

كما حذّر بيان السفارة من أن “فلول تنظيم داعش لا تزال تتشبّث بفكره المنحرف، ولديها القدرة والموارد اللازمة لشنّ الهجمات التي تسعى من خلالها إلى إعادة حالة عدم الاستقرار إلى المناطق المحررة وزرع الخوف بين صفوف السكان المحليين”.

ونوّهت إلى أنه “بدعوة من حكومة العراق، ستستمر الولايات المتحدة والتحالف الدولي في شراكتهما مع قوات الأمن العراقية وتقديم المشورة والتدريب والتجهيز للقضاء على الإرهاب باعتباره تهديدا للعراق”.

ويعلّق مراقب سياسي على تحذيرات واشنطن بالقول إنّه “لا يمكن النظر إلى الموقف الأميركي بمعزل عن المطالبات التي روّجت لها أطراف عراقية لها صلة بالحشد الشعبي والتي تدعو إلى إنهاء وجود القوات الأميركية في العراق بعد أن تم القضاء على داعش. وهو ما يعني أن السفير الأميركي في بغداد قد وجد في ذلك الكمين مناسبة للتذكير بضرورة استمرار الوجود العسكري الأميركي لاستمرار أسبابه. وما تأكيده على أن داعش ما يزال قادرا على الحركة إلا محاولة لسحب البساط من تحت أقدام المناوئين لذلك الوجود”.

ويضيف المراقب ذاته “لأن الضربة كانت قد وجهت إلى الحشد مباشرة فإن الأمر لا يخلو من تداعيات على مستوى قيام بعض زعماء الميليشيات الشيعية بمراجعة مواقفهم. حيث تنطوي الإدانة الأميركية على شيء أبعد من التعاطف والتضامن وهو رسالة للتذكير بما يمكن أن يتعرض له الحشد في حال خلو الساحة العراقية من قوات مدربة قادرة على التصدي للإرهاب”.

ولا تخلو إشارات واشنطن لدور عسكري أميركي “ضروري” في عراق ما بعد داعش، من حرج للحكومة العراقية بقيادة رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي لا يريد – وخصوصا في الفترة الحالية – الظهور أمام كبار منافسيه في الانتخابات المقرّرة لشهر مايو القادم في مظهر من يفتح الباب للوجود العسكري الأميركي الدائم ببلاده، خصوصا وأنّ أبرز هؤلاء المنافسين ليسوا سوى كبار قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية ذات الارتباطات الواسعة بإيران.

وفي ردّها -غير المباشر- على التحذيرات الأميركية، هوّنت قيادة العمليات المشتركة التابعة للجيش العراقي من المخاطر التي ما يزال يمثّلها داعش.

وقال العميد يحيى رسول، المتحدث باسم القيادة في تصريح صحافي “نحن أعلنا القضاء على داعش بشكله التنظيمي على الأرض، وعَملُنا الآن ينصبّ على تكثيف الجهد الاستخباراتي وملاحقة تلك الخلايا والقضاء عليها”.

وأضاف أن “داعش اليوم لا يستطيع السيطرة على أي شبر من الأرض، بل يعتمد على العمليات الإرهابية في أماكن متفرقة”.

وأشار إلى أن “القوات العراقية تقوم بعمليات مداهمة، وتفتيش في كل تلك المناطق وفي أوقات مختلفة”. وأوضح أن “عمليات استباقية تم تنفيذها ومكّنت من تفكيك العديد من الخلايا”.

ومن جهته سارع رئيس الوزراء حيدر العبادي بعد كشف حلف الناتو عن تلقيه رسالة منه بشأن المشاركة في تدريب القوات العراقية إلى توضيح الموقف لإيران بشكل مباشر قائلا “لن نسمح باستغلال الأراضي العراقية ضد إيران من قبل الناتو أو غيره”.

ويظّل في حكم المؤكّد، بحسب مراقبين، أن الولايات المتحدة لا ترغب في إخلاء الساحتين العراقية والسورية، أمام الوجود الإيراني الذي تطوّر في فترة الحرب بالبلدين من مجرّد نفوذ سياسي، إلى وجود شبه عسكري على الأرض من خلال مئات الآلاف من عناصر الميليشيات الشيعية التي قاتلت ضدّ داعش في العراق وضدّ معارضي نظام دمشق في سوريا، وتحوّلت في بعض المناطق إلى قوة احتلال مباشر للأرض.

وينطوي تركيز الولايات المتّحدة في الفترة الحالية على المناطق الحدودية بين سوريا والعراق، ومحاولتها الإمساك بتلك المناطق عبر مقاتلين متحالفين معها ومدعومين بقوات أميركية محدودة العدد لكنّها عالية الكفاءة والتجهيز، على مساع أميركية للفصل بين القوات المدعومة من إيران على طرفي الحدود وقطع الطريق (الوهمي) الواصل بين طهران ودمشق فبيروت عبر الأراضي العراقية، والذي عملت إيران على فتحه بواسطة الميليشيات التابعة لها.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

497 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع