العراق يسعى لتطوير تعليمه العالي عبر «الاستقلال»

                 

                    اختار الجامعة التكنولوجية لتدشين مشروعه

بغداد: «الشرق الأوسط»:غالباً ما تأخذ المؤسسات المختلفة، كالاقتصادية والسياسية والتعليمية شكل ونموذج الدولة؛ فإن كانت الدولة آمنة ومستقرة ومعافاة، تكون مؤسساتها كذلك، وإن حدث العكس، فليس من المتوقع أن تنجح أي مؤسسة بمعزل عن نمو وتطور عموم المؤسسات الوطنية لأي دولة.

ولعل ذلك ما يعانيه تحديداً قطاع التعليم العالي في العراق؛ حيث تراجع في العقود الأخيرة تراجعاً محزناً بعد أن كان من التجارب الرائدة في محيطه الإقليمي. إذ انعكس الاضطراب الكبير الذي اختبرته البلاد نتيجة انخراطها بحروب طويلة منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي واستمرارها حتى اليوم، على مجمل أوضاع المؤسسات الوطنية، وخاصة التعليمية منها. وغني عن القول إن أوضاع التعليم العالي في العراق تراجعت كثيراً بعد 2003؛ نتيجة أعمال العنف وقلة الموارد، إلى جانب التدخلات السياسية وسيطرة الميليشيات على بعض مفاصل التعليم، إضافة إلى ضعف المستوى التعليمي وقلة الأموال المخصصة لمجالات البحث العلمي الأكاديمي.

القائمون على التعليم العالي في العراق يدركون حجم التراجع الذي يعانيه هذا القطاع الحيوي والمهم، لذلك يقومون، بين الحين والآخر، باتخاذ إجراءات من شأنها المساهمة في رفع مستوى التعليم، ولعل من بين تلك التوجهات التفكير بإعطاء الاستقلالية الكاملة للجامعات بهدف تحسين أدائها.

- انفصال ومرحلة تنمية

في منتصف يوليو (تموز) الماضي، أعلن وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور عبد الرزاق العيسى، منح الجامعة التكنولوجية استقلاليتها رسمياً، وتخويلها الصلاحيات التي تمكنها من أداء هذه المهمة.

وقال الوزير العيسى حينذاك: إن «قرار استقلالية الجامعات لم يكن يأخذ طريقه إلى الإعلان والتنفيذ ما لم تكن هناك قراءة علمية ومنهجية واعية، تعيد ترتيب أوراق هذا الملف على وفق الحالة العالمية ومتطلباتها المتسارعة».

ورأى الوزير أن إيجاد خط شروع باتجاه تطوير الأكاديمية العراقية وإسدال الستار على مرحلة الانكفاء والانتقال إلى مرحلة التنمية «لا يتحقق من دون تلبية اشتراطاتها اللازمة علمياً وإدارياً». وأكد أن الجامعة التكنولوجية «سينتظر منها تفعيل تلك الصلاحيات المخول لها المتمثلة بإدارة ملف الدراسات العليا، وتحديد آليات القبول في الدراسات الأولية، على وفق اختبار إلكتروني يحدد أهلية المتقدمين إليها»؛ مشيرا إلى أن «الجامعة التكنولوجية ستعطي صلاحية منح الإجازات الدراسية والبعثات والزمالات خارج العراق، فضلا عن تطوير آليات التفرغ العلمي ودراسة ما بعد الدكتوراه، والبعثات البحثية لطلبة الماجستير والدكتوراه، والانطلاق بمشروعات التوأمة العلمية، وتوفير متطلبات ذلك من تغيير المناهج وتسميات الفروع والأقسام».

- طموح أكاديمي

يعتقد المعنيون بشؤون التعليم العالي، أن «استقلال المؤسسات وانعتاق قراراتها من تأثير الحالة المركزية سيسهم إلى حد كبير ببلورة شخصيتها، ويضع حداً للتزاحم السياسي في الاستحواذ عليها وفق منطق التحاصص».

وتعلل أوساط وزارة التعليم بأن «الطموح الأكاديمي» هو الذي يدفع باتجاه خطوات حاسمة من هذا النوع، بهدف الارتقاء بالجامعات العراقية والوصول بها إلى مصافي المؤسسات الجامعية الرصينة في العالم.

كما تشير تلك الأوساط إلى أن خطوة استقلال الجامعات، إنما هي «مشروع طموح وكبير وخطوة إجرائية» بدأت في الجامعة التكنولوجية وصولاً إلى استقلال الجامعات كلها، بهدف ضمان التنافس العلمي والحضور العلمي العالمي بالنسبة إلى تصنيف الجامعات من حيث الأداء والمستوى، إلى جانب السعي إلى تعظيم الموارد المالية للجامعات.

بدوره يرى رئيس الجامعة التكنولوجية، الدكتور أمين دواي ثامر، أن «مشروع استقلالية الجامعة هو مشروع جدير بالتطبيق، ويمكن الاعتماد عليه مستقبلاً، حتى يكون مرتكزاً لاستقلال الجامعات الأخرى».

- إذا عرف السبب!

لماذا اختيرت الجامعة التكنولوجية من بين 30 جامعة في العراق (عدا إقليم كردستان) لتدشين «عهد الاستقلال» في الجامعة العراقية؟

إن الجواب يكمن في الموارد المالية الكبيرة التي تتحصل عليها الجامعة، ويقول مصدر من وزارة التعليم لـ«الشرق الأوسط»: إن «الجامعة التكنولوجية تتوفر على أكثر من 15 قسماً هندسياً، وتجني أموالاً كبيرة نتيجة الخدمات الهندسية والاستشارية التي تقدمها لأغلب مؤسسات الدولة والقطاع الخاص».

ويلمح المصدر الذي يفضل عدم الكشف عن هويته، إلى أن «وزارة التعليم مدينة بأموال كثيرة للجامعة التكنولوجية، من خلال اقتراضها أموالاً كثيرة من صندوق التعليم التابع للجامعة، ولمّا عجزت الوزارة عن سداد تلك الأموال اقترحت موضوع الاستقلال لتسوية الموضوع».

وتقع الجامعة التكنولوجية في شارع الصناعة وسط العاصمة بغداد، ويعود تاريخ تأسيسها إلى عام 1960؛ حيث وردت فكرة تأسيس «معهد إعداد المعلمين الصناعيين» من قبل وزارة التربية بالتعاون مع منظمة اليونيسكو، وأعلن عن تأسيس المعهد في 22 يناير (كانون الثاني) 1960، وحددت مدة الدراسة فيه بخمس سنوات بعد مرحلة الدراسة الثانوية، يمنح بعدها المتخرج درجة البكالوريوس في الهندسة التطبيقية.

واستناداً إلى دليل الجامعة التكنولوجية، فإن اسم المعهد تغير بعد أشهر قليلة إلى «المعهد الصناعي العالي» بأمر من وزارة التربية بالاتفاق مع منظمة اليونيسكو.

في عام 1967 استبدلت تسمية المعهد إلى «كلية الهندسة الصناعية»، ثم تحوّل الاسم إلى كلية الهندسة التكنولوجية وارتبطت بجامعة بغداد، ثم فكّ ارتباطها بجامعة بغداد وأعلن عن تأسيس الجامعة التكنولوجية مطلع أبريل (نيسان) 1975.

وقد ضمّ المعهد في بداية تأسيسه أقسام (الهندسة الميكانيكية، وهندسة السيارات، والهندسة الكهربائية، وهندسة البناء والإنشاءات) ثم استحدث أكثر من 15 قسماً آخر، شمل هندسة العمارة والاتصالات والحاسبات والليزر، وهندسة الطب الحياتي... إلخ.

- حماس فاتر للاستقلال

عدد غير قليل من أساتذة الجامعات العراقية لا يأخذون موضوع استقلال الجامعات عن وزارة التعليم العالي على محمل الجد، وينظرون إلى الموضوع نظرة شك وتردد؛ خاصة بعد بقاء الأمور في الجامعة التكنولوجية على حالها، لجهة قبول الطلبة المركزي في الجامعة التكنولوجية واعتمادها مالياً على الدولة.

أستاذ الفلسفة في الجامعة المستنصرية الدكتور علي المرهج، يرى أن أحد أهم عوامل عدم نجاح تجربة الاستقلال هو «اختيار القيادات الجامعية».

ويقول المرهج لـ«الشرق الأوسط»: «من اللافت أن اختيار القيادات الجامعية في جلّ الجامعات العراقية يتم عبر العلاقة الشخصية أو التزكية الحزبية، وهذا أمر بات معروفاً للجميع في العراق».

وبرأيه، فإن أول خطوة نحو الاستقلال تتمثل في «البحث عن رئيس جامعة وعميد كلية معروف بقدرته العلمية وبقوة شخصيته، شخص يبحث المنصب عنه لا العكس، وهذا أمر صعب المنال في العراق اليوم، بسبب التجاذبات الحزبية والعرقية والطائفية».

ولا يعارض المرهج فكرة استقلال الجامعات من حيث الجوهر؛ لأنها إن حدثت بشرطها وشروطها فستعزز من «القدرة الإنتاجية للجامعة، وكلما زادت قدرة الجامعة من قدرتها الإنتاجية، استطاعت الحصول على واردات ربحية جراء طرح منتوجها، العلمي – النظري».

وبرأيه، فإن حصول الجامعة على مداخيل مالية، يأتي من خلال «استثمار الطاقات العقلية لعلماء وأساتذة الجامعة في المكاتب الاستشارية أو في خدمة المؤسسات الاقتصادية في البلد، في توفير النصيحة والرأي العلمي بما يخدم هذه المؤسسات في تطوير إنتاجها ويجعلها منافسة للسوق العربية أو حتى الدولية».

أما أستاذ علم الاجتماع في جامعة بغداد، الدكتور علي طاهر الحمود، فيرى وجوب أن تتوفر استقلالية الجامعات على ثلاثة مستويات: مالية وإدارية وأكاديمية، وأن «التجارب العالمية أثبتت أن أي تقييد في المستويات الثلاثة يكبح قدرة الجامعات على المنافسة في الجوانب العلمية».

ويقول الحمود لـ«الشرق الأوسط»: «يقصد بالاستقلال المالي حق الجامعة في تقرير مدى الأجور المعطاة للأساتذة، والمأخوذة من الطلاب، والإداري حق الجامعة في تعيين الكوادر، وإقرار الأنظمة المتعلقة بإدارة الجوانب التنظيمية في الجامعة، أما الاستقلال الأكاديمي فهو حق الجامعة في إقرار الأهداف العلمية، والخط العام الذي تسير عليها الكليات العلمية».

ويخلص الحمود إلى نتيجة تتفق مع أغلب وجهات النظر غير المتحمسة لفكرة الاستقلال الجامعي، إذ يرى أن «الجامعات في الغالب مسلوبة الاستقلالية بهذه المعاني الثلاثة، في ظل دول الريع ذات الإرث الشمولي، فالجانب المالي مقرّ من قبل الميزانية النفطية للدولة، والجانب الإداري محكوم بالبيروقراطية الحكومية، والجانب الأكاديمي مقيد بآيديولوجية الأحزاب الحاكمة».

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

481 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع