أدمغة تركية تترك أنقرة لأردوغان

                                  

                              في اتجاه الغربة والكرامة

هجرة أصحاب المؤهلات في تركيا تزداد وتيرتها مخلفة عواقب اجتماعية وثقافية لأن من يغادرون 'يؤمنون بقيم عالمية مثل حقوق الإنسان' ورحيلهم يعني تراجع هذه القيم.

العرب/أنقرة – عندما غادرت ديلارا إلى دبي قبل خمس سنوات قال زملاؤها إنها ارتكبت خطأ، فتركيا كانت تسجل حينها نسب نمو مرتفعة والحياة الثقافية فيها مزدهرة وعلاقاتها مع الغرب وثيقة، لكن الوضع تغير كثيرا اليوم.

واليوم تقول ديلارا، التي تم تعديل اسمها حفاظا على خصوصيتها، في اتصال هاتفي معها، “يرسل لي العديد منهم سيرتهم الذاتية لأنهم لا يريدون البقاء في تركيا ولا سيما منذ استفتاء” 16 أبريل الذي عزز صلاحيات الرئيس رجب طيب أردوغان.

ازداد عدد الأتراك من أصحاب المؤهلات الذين قرروا مغادرة البلد حيث يشعرون، منذ أن أصبح أردوغان رئيسا، بزيادة الضغوط وبخيبة أمل تجاه المستقبل مع تراجع الوضع الاقتصادي وانحسار الحريات الشخصية.

وتقول عالمة الاجتماع أولاس سوناتا إن هجرة أصحاب المؤهلات التي تزداد وتيرتها منذ سنوات باتت تطرح “مشكلة كبيرة”، معربة عن أسفها لعدم توفر أرقام مؤكدة.

وتقول إن “هذا المجتمع يحتاج إلى المتعلمين وخسارتهم قد تكون لها عواقب مريرة”، معددة ليس المخاطر الاقتصادية فحسب، وإنما كذلك الاجتماعية والثقافية نظرا لأن من يغادرون “يؤمنون بقيم عالمية مثل حقوق الإنسان” ورحيلهم يعني تراجع هذه القيم.

وقال نحو عشرة من هؤلاء الراغبين في الرحيل أو الذين غادروا، إنهم لا يجدون وظائف في بلدهم حيث باتت الحرية الشخصية مهددة مع تصاعد التيار المحافظ.

سجلت تركيا نموا مرتفعا بلغ 5.1 بالمئة في الربع الثاني من سنة 2017 وتشدد السلطات على رغبتها في بناء اقتصاد قوي يقوم على الابتكار والاستثمارات.

ولكن معدل البطالة بلغ 10.2 بالمئة في يونيو، لا سيما بين الشباب، في حين يؤكد منتقدو السلطات أن مستقبل هؤلاء غير مضمون نظرا لتعليق الإصلاحات الاقتصادية.وأقر أردوغان بنفسه في نهاية يوليو بأن البلدان الإسلامية بشكل عام تعاني من “هجرة الأدمغة” التي دعا إلى التصدي لها.

وقال حينها “إن الغرب يأخذ منا أنجب طلابنا”. وأضاف “علينا أن نتحرك بسرعة وأن نتخذ تدابير لوقف هجرة الأدمغة التي تفسح المجال أمام تصحر عالمنا العلمي والفكري”.

وكان هدف ديلارا العاملة في مجال التسويق الإلكتروني في البدء إثراء تجربتها في الخارج. وتقول “رغبت مرارا في العودة، ولكن الأحداث كانت تدفعني إلى البقاء” في الخارج، متحدثة عن القمع الوحشي للتظاهرات المعارضة للحكومة في سنة 2013 وعن التفجيرات التي شهدتها تركيا خلال السنتين الماضيتين.

وقال مدرس للغة الإنكليزية في الثالثة والثلاثين من عمره، إنه بدأ قبل بضعة أشهر إجراءات للمغادرة مع زوجته وابنه، متحدثا عن “حقنا في أن نعيش في ظروف أفضل. لماذا علي أن أعاني إذا كانت لدي خيارات أفضل؟ ماذا أفعل في بلد لا عدالة فيه؟”. وقال مخرج في السادسة والعشرين من العمر إنه يريد الانتقال للعيش في باريس، لأنه “لم يعد هناك مكان للأفلام المستقلة في تركيا بعد أن أصبحت وزارة الثقافة مسيسة تماما”، مضيفا أن المنح يحظى بها اليوم المخرجون الموالون لأردوغان.

مدرس للغة الإنكليزية: حقنا في أن نعيش في ظروف أفضل، ماذا أفعل في بلد لا عدالة فيه؟

ويسود قلق مماثل في الجامعات التي تضررت كثيرا بسبب عمليات التطهير، إذ شمل مرسوم قانون صرف أكثر من 5500 أستاذ ومحاضر جامعي.

وقال تركي في الثامنة والعشرين من عمره، وهو مقيم في مونتريال حيث قرر البقاء بعد نيله الدكتواره، إن “أي أستاذ جامعي يعبر اليوم عن رأي سياسي مهما كان بسيطا يجازف بخسارة وظيفته (…) ستكون مجازفة كبيرة اليوم أن أبدأ مهنتي الجامعية في تركيا”.

وقالت مروى الحائزة على شهادة دكتوراه في الاتصالات، إنها ستنضم قريبا إلى خطيبها في بودابست وهو جامعي كذلك بعد أن أيقنا مدى صعوبة العمل الجامعي في تركيا. وأضافت “الجميع عليه أن يختار في ما يتعلق بمستقبله، وأنا اخترت الرحيل”.

وقال العديد من الجامعيين وأصحاب الشهادات العليا إن التفكير في الهجرة بات يحتل حيزا متزايدا في محادثاتهم مع أصدقائهم، ولكن الأمر يعني بشكل خاص الحاصلين على مؤهلات عليا.

وقالت سوناتا إن هؤلاء “لديهم حظ أوفر في الحصول على عمل في البلد الأجنبي الذي يسافرون إليه. السفر ينطوي على مخاطرة وأصحاب المؤهلات العليا هم أقدر على تحمل ذلك”، لكن الإجراءات طويلة وصعبة.

وقال أستاذ تاريخ انتقل إلى فرنسا حديثا بعد أن حاضر على امتداد عدة سنوات في إحدى أرقى الجامعات التركية، إنه اضطر إلى الانتظار أربع سنوات لإنهاء مشروعه والحصول على عمل في الخارج، مضيفا “آمل ألا اضطر بتاتا إلى العودة إلى تركيا”.

وقال مهندس مدني من أنقرة إنه باشر إجراءات الرحيل رغم الألم الذي سببه له ذلك وبعد أن رفض لسنوات اللحاق بأصدقائه في الخارج. وأضاف “أحب بلدي ولا أريد أن أتركه في يد المحافظين. هذا يشعرني بأنني أهرب”.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

696 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع