صراع التراث والاستثمار يفقد بغداد سماتها الجمالية

      

المدى/ حسين رشيد:يقف محمد أمام بناية تحولت الى ركام وأنقاض بساعات متذكراً سنيّ الدراسة والأصدقاء والنوتات الموسيقية والأغاني التي كان يرددها مع أصدقائه في معهد الدرسات النغمية الذي سبق وان سكنه الشاعر جميل صدقي الزهاوي. محمد امتعض من طريقة هدر التراث العمراني والثقافي العراقي بطريقة عدوانية حسب وصفه، عازيا سبب ذلك الى ان أغلب المسؤولين لاعلاقة لهم بالفن والجمال والأدب والموسيقى. كما لم يستبعد ان يكون هناك تعمد في ذلك.

تجاوز على القانون ؟
الأمر لم يتوقف على ذلك، فبعد أشهر من هدم معهد الدراسات النغمية جاء الدور على منزل مؤسس النظام المالي في العراق واول وزير مالية في اول حكومة عراقية، حيث أعلنت أمانة بغداد منح المنزل لأحد المستثمرين بعد هدمه، وعدّته "غير تراثي". مستندة بذلك الى كتاب دائرة التراث، الذي أكد أن المنزل لم يعد تراثياً، حسب تصريحها الصحفي. موضحة: ان المنزل شيّد قبل (100) عام في شارع الرشيد، وسط بغداد، ومنح حالياً لأحد المواطنين لاستثماره. مؤكدة أن الاستثمار جرى بشكل قانوني.
وزارة السياحة والآثار اتهمت أمانة بغداد بـ"التجاوز على القانون" باستثمار منزل تراثي، اذ ذكر رئيس قسم التحريات التراثية في دائرة الآثار والتراث التابعة لوزارة السياحة والآثار سعد حمزة : هناك جدل بشأن قضية منزل أول وزير مالية في الحكومة العراقية ساسون حسقيل. مستغرباً من اعتبار المنزل غير تراثي من قبل أمانة بغداد. عادا هدم المنزل ومنحه لمستثمر تجاوزاً من قبل أمانة بغداد على القانون. مؤكداً أن المنزل يتكون من جزءين (16 - 17) أحدهما يعود لوزير المالية والآخر لنجله ألبيرت ساسون حسقيل.

عملية فرهود جديدة
كل الدول التي تحترم تراثها وتاريخها تحافظ على بيوت ومنازل شخوصها السياسية والادبية والثقافية والفنية والرياضية إلا في العراق فإن الأمر مختلف جدا فهناك تعمّد لتغييب جزء من تاريخ البلاد المعاصر ومحو الكثير من تفاصيل ذلك التاريخ.
 يقول المهندس احمد موسى: ان خبر أمانة بغداد بإعلانها منح استثمار عدد من أملاكها ،من بينها منازل لشخصيات عراقية لها اثرها في تاريخ البلاد، يعد سابقة خطيرة في محو التراث البغدادي وتاريخ تلك الشخصيات. مضيفاً: ان مايجري اليوم في العراق هو استكمال لعملية الفرهود الثانية التي بدأت عام 1941. منوهاً الى وجود محاولات تريد مسح معالم التراث البغدادي وتراث بعض المكونات العراقية.
ولفت موسى ايضاً الى هدم دار بهاء الله (مؤسس الديانة البهائية) في بغداد والمعروف بكعبة البهائيين على الرغم من مكانة هذه الدار الدينية والتي كان من المفترض ان تتحول الى إرث سياحي. مستدركاً: لكن للأسف فإن الفهم القاصر لبعض المسؤولين في الدولة خاصة الجهات المعنية بهذا الشأن سبب كبير في تدمير وتلاشي هذا الإرث المهم. مشدداً على ضرورة اعادة النظر بالتوجهات الحالية لأمانة بغداد وهيئة استثمار بغداد خاصة فيما يخص التراث العمراني البغدادي المهدد بالزوال عاماً بعد اخر.

قانوني دون سند يذكر
يفترض أن من صميم عمل امانة بغداد هو المحافظة على بيوت بغداد التراثية، وفي خطوة أثارت الاستغراب والدهشة، منحت أحد المستثمرين إجازة بهدم بيت ساسون حسقيل اول وزير مالية عراقية فربما سيحول الى مول او محال تجارية او مدرسة اهلية.  فقد أعلنت أمانة بغداد منح منزل مؤسس النظام المالي في العراق وأول وزير مالية في حكوماته ساسون حسقيل وسط بغداد لأحد المستثمرين بعد هدمه، وعدت المنزل "غير تراثي". دون ان تعلن السند التي اعتمدت عليه بذلك. وقال حكيم عبد الزهرة مسؤول الإعلام في أمانة بغداد في تصريح صحفي: ان المنزل الذي يعود لأول وزير مالية في الحكومة العراقية ساسون حسقيل، موثّق ضمن سجلات أمانة بغداد ويعود إليها: منوهاً الى ان المنزل غير تراثي بحسب كتاب دائرة التراث، الذي أكد أنه لم يعد تراثياً. مضيفا: المنزل شيّد قبل 100 عام في شارع الرشيد، وسط بغداد، ومنح حالياً لأحد المواطنين لاستثماره، مؤكداً أن الاستثمار جرى بنحو قانوني.

مقربون من الأحزاب
العشرات من البيوت التراثية ربما ستُشمل بقرار الأمانة بسبب ضياع معايير اعتماد التراث من عدمه والتجاذب بين وزارة الثقافة والآثار وأمانة بغداد بهذا الشأن والتأثيرات السياسية والمصالح الحزبية التي ترمي الى الاستحواذ على اكبر عدد من املاك المكونات العراقية التي هاجرت وهُجرت من البلاد في كل مراحل الهجرة والتهجير بدءا من الفرهود وليس انتهاء بنزوح اهالي المحافظات التي اغتصبت من قبل داعش ،حسب شهود. الخطير في موضوع بيت حسقيل ساسون ان ملكية المنزل حُولت لشخص مقرب من حزب ال(....)  يدعى عبد الرسول ال(.....) بحسب ما ذكر لنا سكان المنطقة والذين رفضوا الحديث عن الموضوع بسبب خوفهم من ردود الفعل من الجهات التي تقف وراء عملية الهدم، مثل هذه القضية تحتاج الى وقفات جادة لانها تمثل تدميراً آخر أمل لإرجاع الأقليات العراقية الأصيلة ولو بعد عقود.
قانون الآثار والتراث مركون
المادة 28 من قانون الآثار والتراث تنص على: اولا – لا يجوز– التجاوز على المباني والأحياء التراثية المعلن عنها في الجريدة الرسمية او هدمها او تغيير المهنة والاختصاص الذي يمارس في المحلات والاسواق والشوارع التراثية او الغاء وظيفتها الاساسية التي منحتها الصفة التراثية.
ب – إلغاء الصفة التراثية لمحل تراثي قائم في ملك الغير عن طريق تخليته، وتقدر الهيئة العامة للضرائب بدل الايجار في حالة الخلاف بين المؤجر والمستأجر حفاظاً على المحل التراثي ومنع زواله.
ج – هدم الأبنية المشمولة بالحفاظ او الموثقة او إعادة بنائها او ترميمها او تغيير استخدامها الا بموافقة السلطة الآثارية وإجازة من الجهة المشاركة تؤمن التجانس مع الخصائص المعمارية والمقاييس العامة لمنطقة الحفاظ والأبنية الموثقة والمحافظة عليها ويبت في منح الإجازة خلال 30 ثلاثين يوما من تاريخ تقديم الطلب.
ثانيا – للجهة المشاركة ان تأمر المخالف لحكم الفقرة ج من البند اولا من هذه المادة بمعالجة المخالفة بالطريقة والمدة التي تحددها له والا عالجتها على نفقته.
ثالثا – تعوض الجهة المشاركة المتضرر نتيجة تثبيت حقوق الارتفاق على ارضه المنصوص عليها في البند ثالثا من المادة 23 من هذا القانون او الإخلاء عن المناطق التراثية وفق البند ثانيا من المادة 24 من هذا القانون خلال 90 تسعين يوما من تاريخ تثبيت حقوق الارتفاق او الاخلاء وبخلافه يعد قرار الجهة المشاركة بشأن تثبيت حقوق الارتفاق او الإخلاء مسحوباً.

مأساة تاريخية وخسارة لاتعوض
طمس معالم الكثير من الأماكن التاريخية كسوق الصفارين والعديد من الخانات والحمامات والبيوت التراثية الاصيلة التي اختفت وتلاشت، ان كان بفعل متعمد من قبل جهات تعمل على الاستحواذ عليها او بسبب غياب الرؤى الواضحة للمحافظة على هذا الإرث. أستاذ العمارة بجامعة بغداد سمعان داود بيّن ان هناك  تدميرا للتراث المعماري البغدادي، عادا ان ذلك انتحار ثقافي وخسارة لا يمكن تعويضها مستقبلا خاصة في ظل الغزو المعماري الغربي.  مضيفاً: إن الموروث الحضاري والمعماري مهدد بالزوال ليس للعاصمة بغداد فحسب بل للكثير من مدن البلاد التي تحوي هذه البيوتات او الخانات والأبنية التي تعد تراثية، لافتا الى ان العديد من المواقع التاريخية ذهب ضحية توسيع الشوارع أو التمدد العمراني غير المخطط له.

اندثار محلات بغداد العريقة
وطالب داود بأهمية إعادة بناء الرموز الأساسية للعاصمة بغداد ولمدن البصرة ونينوى لما لهذه المدن من مكانة تاريخية مهمة في الخصوصة العمرانية. كما طالب بالحفاظ على موروث الأجداد الذي وصفه بأنه ذاكرة المكان المهمة التي سجلت تفاصيل احداث وتواريخ أحدثت انعطافة في تاريخ البلاد. لافتا النظر إلى خطورة الاستثمار للمواقع التاريخية والأثرية ان كان بإغراء أصحابها بالمال او تلك الاملاك التي هاجر وهجر مالكوها، وتساءل استاذ العمارة عن السبب الذي يمنع الدولة من شراء او استملاك هذه الدور والأبنية من اجل المحافظة عليها، مبدياً تشاؤمه بمستقبل أغلبية الأماكن التاريخية والتراثية المتبقية، مشيرا إلى وجود قرابة الخمسة آلاف مبنى تراثي تفتقد الحماية والرقابة. منوها الى المحلات البغدادية العريقة التي اخذت تفقد بريقها العمرانية والمعماري.

 مؤامرة كبيرة لطمس هوية
مدينة مثل بغداد تتمتع بكل مواصفات المدن السياحية التي يمكن ان تدر اموالا تعيد بناء وترميم وتأهيل كل بناها التحتية تترك للنهب والسلب من قبل هذا وذاك. الباحث البغدادي رفعت مرهون الصفار اكد في احدى محاضراته على اهمية بغداد وموقعها واهم الخانات والجوامع والشوارع المهمة فيها واسمائها القديمة والحديثة. مقارناً بين زهو وجمال محلات بغداد وازقتها وساحاتها واحتفاظها بالناحية الجمالية والعمرانية في فترة الحكم الملكي والجمهوري وما تعانيه اغلب مناطق بغداد في وقتنا الحالي رغم الميزانية الهائلة من خراب وتدمير واهمال حتى تحولت الى مكب للنفايات، عادا ان ما يحدث في بغداد هو مؤامرة كبيرة لمسح وطمس هويتها وتاريخها التليد ومعالمها الجميلة. مبينا ان ذلك شمل الخراب والتدمير للبنى الاثارية فيها في حين ان اغلب مدن العالم تهتم بمدنها ومبانيها وتعطيها اهمية بالغة من الاهتمام.

اعتماد التراث البغدادي المعماري
واوصى الباحث الصفار الحكومة العراقية بإعادة هوية بغداد وإبراز معالمها من خلال إعادة إحياء شارع الرشيد وترميم البيوت البغدادية ذات الثنايا التي ميزتها عن سائر المدن في العراق والعالم. منوها الى اهمية اقامة متحف يضم كل ما يخص مدينة بغداد من ذكريات واحداث وتراث، داعيا امانة بغداد لسن قانون للبناء الجديد يجيز للمهندسين استلهام التراث البغدادي والعباسي في كل المباني التي تبنى مستقبلا.
 في حين شدد المهندس اوس حسين على اهمية الاهتمام بالتراث البغدادي وتشجيع من يعتمده ببناء الدور والابنية التجارية. لافتا الى ان هذا الارث يمتاز بتفرده المميز ان كان في المنطقة او في العالم. مؤكدا ان هناك توجهات خطرة لتغييب تاريخ العمارة البغدادية وتشويه معالم المدينة التي ابهرت العالم بجمال عمارتها المتفرد.

بناؤون مختصون
عدم وجود سند قانوني لتعريف وتحديد العناصر المكونة للابنية التراثية والمواقع التاريخية في المدينة العراقية ومسؤولية الدولة وسلطتها في الحفاظ عليها وحمايتها من اية مخاطر ادى في كثير من الحالات الى ازالة هذا التراث بسهولة وبسرعة وبدون ان تتمكن اي من السلطات العامة او الخاصة من منع ذلك ان لم تساعد في بعض الحالات . المعماري أ .د هاشم عبود الموسوي ذكر ان هدم الابنية التراثية والمواقع التاريخية يعني فقدان هذه الثروة الى الابد وبالتالي استحالة استردادها في يوم من الايام، ذلك لانها بنيت في عهود سابقة حيث  شيدت من قبل بنائين مختصين، وبوسائل انشاء معينة، ومواد بناء محددة. هيهات ان يعاد نفس البناء. مضيفا: ان صناعة السياحة تعيش على وجود الاثار والتراث والحفاظ على العمران القديم ذي الخصائص النادرة بحسناتها وسيئاتها، فهي في كثير من البلدان كانت ولاتزال مصدرا اقتصاديا مهما شجعت على السياحة التي تساهم هي الاخرى بزيادة واردات البلد وانعاش اقتصاده.

سوء الإدارة والإهمال
واسترسل الموسوي: ان تلك المباني تتعرض لعاملين مهمين يؤديان الى زوالها وهما الزمان والانسان، فالزمان المقصود به عوامل التعرية وتقادم الزمن على المبنى فيصبح قديما، تهمل صيانته لارتفاع كلفة الصيانة او صعوبة تمويلها او عدم وجود جهة مختصة تقوم بصيانتها فتتداعي وتنهدم. وهناك تخريب يقوم به الافراد او بعض الجهات المسؤولة في الدولة من خلال هدم المباني والمواقع التاريخية بحجج . موضحا: من اهم اسباب هذا التدمير هو عدم وجود وعي عام للمحافظة على الابنية والمواقع التاريخية سواء عند الافراد او المجتمع او دوائر الدولة. وفي بعض الحالات تكون هذه القوانين عوناً لإزالة واهمال تلك الابنية كما هو عليه في نظام الطرق والابنية المرقم 44 لسنة 1935 المعمول به حاليا في العراق ـ

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

834 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع