حكاية الشاي بين البلدان والأنواع

               

يستهلك المغاربة كميات ضخمة من الشاي الأخضر، بينما يستهلك المصريون كميات أضخم من الشاي الأحمر، ولا تختلف عنهما بقية الشعوب العربية في شراهتها للشاي، وتظل المقاهي الشعبية المكان الأول والأساسي الذي يقدم ذلك المشروب المميز بمذاقاته المختلفة لفوائده المزاجية الكبيرة وثمنه المناسب.

حكاية الشاي
كان الصينيون القدامى أول من استخدم الشاي وقاموا بزراعته، قبل أن ينتشر في جميع أنحاء العالم لاحقاً، وقبل أن يصبح تميمة تجارية للشركات الغذائية والدوائية الكبرى بعد أن أثبتت الأبحاث تعدد فوائده الصحية.

تحكي الأسطورة الصينية أن ناسكاً بوذياً قديماً حضر من الهند إلى الصين، وقد نذر نفسه أن يصوم عن النوم تسعة أعوام، يتأمل فيها فضائل الإله ويعدد مناقبه، ويسبح بحمده، وظل الناسك على هذه الحال مستيقظاً ثلاثة أعوام، ثم غلبه النوم، فلما استيقظ استشاط غضباً من نفسه. ولما كان لكل خطيئة عقاب، قرر قص أجفان عينيه، وألقى بهما إلى الأرض.

ثم أخذ من جديد في التأمل والتعبد خمس سنين أُخرى، بعدها بدأت رأسه تميل للنعاس، ولكن وقعت يده إذ ذاك على شجيرة قريبة، فأخذ يتلهى بمضغ أوراقها، فوجد فيها القوة على مغالبة النوم، ووجد فيها اليقظة المنشودة، فأتم أعوامه التسعة المنذورة في يقظة وتهجد. وكانت هذه الشجيرة تسمى باللغة الصينية (شا). وهكذا عرفت المعابد الصينية هذا المشروب المنبه الذي يساعد على العبادة.


أسطورة أخرى تقول أن ملكاً صينياً يدعى "شينونج" كان خبيراً بالأعشاب وفوائدها الطبية، وكانت من عادته أن يشرب الماء الساخن بعد غليانه بوصفه نوعاً من العلاج. وفي أحد الأيام؛ ترك قدح الماء الساخن في حديقته، فسقطت فيه ورقة من الشاي الجاف. لاحظ الملك تغير لون الماء فتذوق طعم المنقوع واستساغ طعمه ودأب على تناوله، ونصح به حتى شاع استخدامه.

مشروب الساعة الخامسة
انتقلت زراعة الشاي إلى بلدان أخرى غير الصين، فصار يُزرع في اليابان والهند وسريلانكا وكينيا. ومن تلك المزارع يتم تصديره حيث صار المشروب الأكثر شعبية في العالم أجمع.
جلب الهولنديون الشاي إلى أوروبا في القرن السابع عشر، ومنه انتقل إلى بريطانيا، ويعد الإنجليز أكثر الأمم الأوروبية استهلاكاً للشاي. ولهم في تناوله تقاليد راسخة، مثل فنجان شاي الساعة الخامسة، التي كانت الأمة البريطانية تحرص بدقة على تناوله يومياً. ويطلق على أفضل العلامات التجارية الآن "الشاي الإنجليزي"، على الرغم من أن الإنجليز لا يزرعون الشاي.

كان البريطانيون بدايةً يعدون الشاي بطريقة غريبة، إذ كانوا يغلونه مثل الخضراوات المسلوقة، ويلقون الماء المغلي ويأكلون أوراقه، وظل الأمر كذلك إلى أن صحح لهم التجار الأوائل طريقة تحضيره كما يقوم بها الصينيون والهنود. أما العرب فقد تأخروا كثيراً في معرفة الشاي، حيث وصل إليهم في القرن التاسع عشر.

توجد عدة أنواع من الشاي وأشهرها الشاي الأسود (الأحمر) والشاي الأخضر، وكلاهما ينتجان من شجيرة واحدة لا يكاد يزيد ارتفاعها على متر ونصف المتر، تحمل وريقات صغيرة، يتراوح طولها بين خمسة سنتيمترات وعشرة. وتظل الشجرة خضراء طول العام، حتى في فصل الخريف، تزرع تلك الشجيرات فلا يقطف منها شيء في العام الأول، ثم يبدأ الحصاد في السنة الثانية ويزداد المحصول منها بتتابع الأعوام. يُحضّر الشاي الأخضر من نفس أوراق الشاي الأحمر.

أحمر وأخضر
الشاي الأحمر (ويطلق عليه أيضاً الشاي الأسود)، هو نفس نبتة الشاي الأخضر بعد أكسدتها، وهو منبّه فعّال لاحتوائه على نسبة عالية من الكافيين، إضافةً لفوائد أخرى مثل تنشيط الجهاز العصبي، كما يساعد على إذابة الدهون وإحراق سعرات حرارية عالية.


ويحظى الشاي الأخضر خاصة أخيراً باهتمام مراكز الأبحاث الطبية ومراكز التخسيس، حيث تتواتر التقارير التي تفيد بأن الشاي الأخضر يسهم في تخفيض نسبة الكوليسترول، ويساعد على خفض ضغط الدم المرتفع، كما أنه يحافظ على سيولة الدم، ومن ثم يقلل من احتمال حدوث الجلطات. وله دور كبير في التقليل من الإصابة بالسرطان.

بالإضافة إلى ما سبق، يزيد الشاي الأخضر من كفاءة الجهاز المناعي، ويساعد على الهضم، ويقاوم تسوس الأسنان والتهابات الجيوب واللثة، ويقي من التهابات المفاصل والروماتيزم، ويساعد على تخفيف الوزن، والوقاية من الأمراض الخبيثة والشيخوخة المبكرة، كما أنه يوقف عملية نمو الأوعية الدموية المغذية للأورام. وكذلك أصبح يستخدم بكثرة في برامج إنقاص الوزن.


يُذكر أن هناك أنواعا أخرى من الشاي غير نوعيه الأخضر والأحمر، لم يكتب لها الرواج في محيطنا العربي، مثل الشاي الأبيض الذي يتم استخراجه من براعم شجيرة الشاي ووريقاتها الصغيرة جداً، وهو خفيف الطعم وله فوائد صحية عالية، وشاي الألونج (أي: التنين الأسود) وهو الشاي الذي يتعرض لعملية أكسدة خفيفة؛ أقل مما يتعرض لها الشاي الأحمر. وقد أصبحت تضاف نكهات جديدة للشاي بطعوم الفواكه المختلفة، بعد أن ظل النعناع هو العنصر الإضافي المحبب طيلة وقت طويل.

ولا يخلو الإفراط في تناول الشاي من أعراض جانبية؛ كالإمساك وبعض تقرحات والتهابات المعدة، ومن أضراره أن تناوله أثناء الطعام يقوم بتكسير الحديد الذي يمتصه الغذاء، كما يحذر الأطباء من آثار سلبية محتملة على الأم والجنين أثناء الحمل. ولتجنب الكثير من تلك الأعراض فإنه يُنصح بعدم الإفراط في تناول الشاي بأنواعه المختلفة. بينما طريقة إعداده المُثلى هي النقع وليس الغلي، فيصب الماء المغلي على مغلف الشاي، ويترك من ثلاث لخمس دقائق، قبل أن يتم نزع المغلف عن الماء.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

496 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع