تدمير العراق ، تدمير الذاكرة

   

     ضرورة نقل الآثار العراقية إلى دول قادرة على حمايتها

العرب /فلاح المشعل:ارتكاب جريمة تدمير الآثار في مدينة الموصل، والسعي لمحو ذاكرة الحضارة الآشورية، حلقة مكمّلة لطاقة الإبادة الموجهة التي يتبناها سلوك “داعش” إزاء دولتين (العراق، سوريا)، عرفتا بمخزونهما من إرث حضاري يرمم مفاهيم التاريخ القديم بمعرفة دورة الحضارة والحياة، إنهما القاعدة الأوسع لذاكرة الحضارة القديمة.

المهمة هنا ليست إسلامية كما يعتقد البعض، أو يردد الداعشيون ذلك زورا، وإن كانت مسعى موجهاً نحو تجهيل الفكر الإسلامي، وتحميله مسؤولية منهج “داعش” في تكريس مفهوم ظلامية هذا الدين وفاشيته الفكرية والوجودية. بخلاف كذب ادّعاء “داعش” الإسلامي وخطابه الإعلامي الزائف، فقد جاء ذكر التماثيل أو النصب في القرآن الكريم سورة المائدة، الآية 90 “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”. الأنصاب هنا كل ما عبد من دون الله تعالى، أي بمعنى الأوثان أو الأصنام التي كانت تأخذ دور الآلهة في زمن الجاهلية.

لكن الآثار تعود إلى أزمنة أخرى سبقت نزول الرسالة الإسلامية، وهي تدوّن تراث الأجيال والأمم السابقة التي يدعو القرآن المجيد الناس للتعلم والانتفاع من تجاربها، كما أنها لا تعبد، بل تقف أشبه بتحف تعطي قراءات ثقافية وعلمية لتلك الأزمنة البعيدة التي تشكل طفولة المعرفة وعنفوانها في البناء وقوانين الوجود الاجتماعي والفكري.

أما تداولهم حديث الإمام علي (ع) “اطمسوا التماثيل” إنما هو في ذات السياق الذي يدعوا لإخفاء التماثيل التي كان يعكف الناس على عبادتها في الكعبة، وليس هذه الواجهات الفنية والسياحية العظيمة، هوية كل أمّة أو مجتمع تفخر أن لها ماضياً مجيداً. زرنا واشنطن عاصمة أميركا، وضعوا زيارة المتاحف في أول يوم للبرنامج، شارع عريض أنيق مبهج تشمخ على جانبه أبنية تشكل سلسلة المتاحف الطبيعية والتاريخية والحضارية والعلمية والفنية وصولاً إلى حضارة وتاريخ الهنود الحمر سكان أميركا الأصليين، متاحف معتنى بها وفق آخر شروط وتقنيات حفظ الآثار، وتهيئة طرق مشاهدتها من قبل الزائرين ما يجعلها ترسخ في الذاكرة… هذا ونحن نتحدث عن دولة حديثة (لملوم) لا يتجاوز تاريخها 200 سنة…!

بروح ناقعة بالأسى، أتفق مع دعوة الزميل (إياد الزاملي) بضرورة نقل الآثار العراقية إلى دول قادرة على حمايتها..! كما بلغ الحزن والاستهجان بالصديق الكاتب (حمزة الحسن) أن طالب بنقل ما تبقى من بشر عراقيين وتسجيلهم على ذمة اليونسكو، للحفاظ عليهم من الفناء والانقراض…!؟

يشتد الغضب والاستنكار لجريمة تدمير ماضي العراق الحضاري، بعد أن تم تدمير حاضره من قبل أميركا ودول الجوار، لكن الذاكرة بتحديثاتها الدموية تثبت أن القتلة المجرمين اللصوص الذين حكموا العراق في حكومته المركزية الفاسدة، أو المسخرة المسماة حكومته المحلية في الموصل إبان سقوطها المفجع..! هؤلاء شركاء “داعش” بهذه الجريمة الصاخبة، إنهم يحرقون الإنسان وذاكرته أيضاً.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1226 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع