كمال يلدو .. مربون في الذاكرة ..

        

         كمال يلدو: مربون في الذاكرة...

         

     

  

رغم ان سنين طوال تفصلنا عن هذا الجيل، وعالم آخر نعيشـه دونهم، لكن الحديث عنهم يكتسب أهمية خاصة لأبنائهم وعوائلهم الكريمة، ولكل من يقرأ ويدرس هذه السير المباركة والمفعمة بالتجربة والحياة.
مهما تغيرت الظروف والمستجدات، يبقى الأنسان هو سيد الموقف وحامل كل مفاتيح التغيير، يسـمو  و يضئ ظلمة هذا الكون،  ويمنحه طعمه الزكي الحلو.
إن تجربة هؤلاء المربين  مفعمة بالأمل والعمل والصبر، على إن أروع درس هو ذاك الذي تشي به تجربتهم الجميلة والمتلخصة ب : إن العمل المبدع لا يأتي إلا من عقل وروح مبدعة،  إلا من إنسان عاشق للحياة ويقدسها،  إنسان يفرح لتقدم الناس وتطورهم.
تحية لذكراهم الطيبة، بأمل ان نأخذ من رحلتهم تلك وقودا لرحلتنا في هذه الحياة ، من أجل البناء وخير الأنسان.
آمل أن تروق لكم هذه الرحلة مع المربين.

  

رحلة مع بناة الأنسان العراقي
الراحل الأستاذ المساعد د.نعيم يوسف الشماس ججو صرافة
ولد في مدينة (تلكيف) التابعة لمحافظة نينوى  عام ١٩٠٦ في (محلة سامونا)  وتوفي في مدينة ديترويت الأمريكية عام ٢٠٠٣ .  كان متزوجا من السيدة كرجية بتو سالم ولهم ستة  أولاد وبنتان، ولو كان قد قدّر له الحياة لليوم لكان قد شهد ٢٦ حفيدا و ٣٨ من ابناء الأحفاد.
درس أول الأمر في مدرسة الكنيسة بمدينته، وبعد ان انهى الرابع الأبتدائي أخذه والده الى العاصمة بغداد حيث درس الخامس ابتدائي في (مدرسة الكلدان) الواقعة جوار(كنيسة ام الأحزان) في عكَد النصارى.

    

في تلك الفترة (يقول الأستاذ نعيم في مذكراته) افتتحت دورة  ـ دار المعلمين ـ لمدة سنتين، فتقدمت لها من ضمن ٢٠٠ مُرشـح ، وبعد فرز الناجحين كنت ضمن ال ٤٠ المقبولين. وعندما  انهيتها كانت السنة ١٩٢٤ قد أزفت،  فعيُنتُ براتب قدره (١٢٠ روبية) ونسبتُ:
١) معلما في مدرسة تلكيف الأبتدائية ،
٢)ثم مديرا ل (مدرسة ألقوش) الأبتدائية بين الأعوام ١٩٣١ـ١٩٣٤، وقد افتتحتُ فيها الصفوف الخامس والسادس الأبتدائي ثم نقلت :
٣) مديرا ل (مدرسة تلكيف الأبتدائية) للأعوام ١٩٣٤ـ١٩٣٦  ،
٤)بعدها دخلت (دار المعلمين العالية) وتخرجت عام ١٩٤٠ .
٥) ثم  دخلتُ (دورة للضباط الأحتياط) لمدة سنة (٤٠ ـ ١٩٤١) نسبتُ  بعدها ،
٦) مدرس في (ثانوية كركوك)  للأعوام ١٩٤١ـ١٩٤٤ ثم جرى نقلي،
٧) الى (دار المعلمين في الرستمية) ولمدة  ثلاث  سنوات بين الأعوام ١٩٤٤ـ١٩٤٧  . نقلتُ بعد ان ضربت مياه الفيضان تلك المنطقة ،
٨) الى (دار المعلمين في الأعظمية) ولمدة ٤ سنوات بين الأعوام ١٩٤٧ ـ ١٩٥١ إذ قمت بالأشراف على (مدرسة تطبيقات دار المعلمين)  .  
٩)  بعدها اصبحت معيدا في (كلية التربية) بين الأعوام ١٩٥١ـ١٩٥٤ ثم
١٠) مديرا ل (اعداد المعلمين) في ديوان الوزارة بين عامي ١٩٥٤ـ١٩٥٦ ثم
١١) معيدا في كلية التربية بين عامي ٥٦ـ١٩٥٧.
١٢) دراسة الماجستير:
١٣) في العام ١٩٥٩ تقرر ارسالي للدراسة الى الولايات المتحدة الأمريكية  وفي (جامعة وين ستيت يونيفيرستي / ديترويت) لمدة سنة واحدة وذلك لغرض الحصول على  ـ درجة الشرف ـ وبعد انقضائها، كتبت رئاسة الجامعة الى الوزارة كتابا رسميا تطلب فيه تمديد ايفادي لمدة عام آخر لغرض اكمال متطلبات الحصول على شهادة الدكتوراه.

       


١٤)  درستُ طوال العطلة الصيفية، اضافة الىى مدة ـ سنة ـ المقرر وتمكنتُ أخيرا من الحصول على الدكتوراه عام ١٩٦١
١٥) عدت الى بغداد فورا، وبعد مضي حوالي ٤ أشهر جرى تعيني (مديرا للتعليم الثانوي)  .
١٦) اثناء غياب السيد مدير التعليم، جرى تكليفي ب ( مدير التعليم العام) وكالة ولحين عودة المدير الأصلي.
١٧) في العام ١٩٦٣ جرى ترفيعي الى درجة (استاذ مساعد) في كلية التربية/ جامعة بغداد .
١٨)  وفي عام ١٩٦٩  جرت احالتي على التقاعد بعد وصولي السن القانوني (٦٥ عاما) .
١٩) في عام ١٩٧٠ عملت لمدة سنة واحدة استاذا في الجامعة المستنصرية وبمادة (الأرشاد والتوجيه) .

جمع الأستاذ د. نعيم صرافة خصال  فريدة في شخصيته ميزتهُ ومنحتهُ المكانة التي وصل اليها، بالجد والعمل والتخطيط والتضحية والذكاء.  فبنظرة فاحصة الى السّلم الذي سلكه الأستاذ ابتداءا من معلم ابتدائية وصولا الى مساعد استاذ ومديرا للتعليم الثانوي و التعليم العام وكالة ، فإن هذه المنزلة لم يحصل عليها الا بعد أن اثبت كفاءة وجدارة قلّ مثيلها، ولعلي هنا، ورغم مرور كل تلك السنين  على  رحيله، استطيع الجزم، بأن النظام كان مقصرا معه، إذ لو اُخذت امكانياته بنظر الأعتبار فربما كان يستحق منصب الوزير ان لم أقل أكثر!
ان عشقه للتعليم لم يجد تطبيقه فيما حققه هو شخصيا بل  تمثل بالجهد الذي بذله في رفع مستوى المدارس الموجودة في بلدات سهل نينوى والتي عمل بها (تلكيف و ألقوش) اذ ساهم بأضافة الصفوف لها، ثم العمل على افتتاح المدارس المتوسطة من اجل تسهيل مهمة التلاميذ بدل ذهابهم للموصل او انقطاعهم عن الدارسة.   ومما ذكره في مذكراته بأنه قـد أسس (فرقة للكشافة) في مدينة تلكيف ابان عقد الأربعينات، وقد جلب خياطا من مدينة الموصل، و تفرغ للعمل  مدة ١٥ يوما ، أنجز خلالها  ملابس فرقة الكشافة ،  وأصبحت حاضرة وكاملة ل ٦٠ كشافا، وقد كانت تجربة رائدة وجميلة وجديدة على البلدة.
في العام ١٩٥٠ قدم طلبا ل (الجمعية الخيرية الكلدانية) في بغداد طالبا منها تأسيس (ثانوية أهلية مسائية) على حساب الجمعية، وفعلا تأسست (ثانوية المشرق المسائية) وكان قد سبقها بتأسيس متوسطة وبأشراف ذات الجمعية في منطقة السنك، بالقرب من كنيسة (باتري بيير).
مع عمله الوظيفي وألتزاماته العائلية والشخصية الكثيرة، فقد وجد الوقت للعمل في (متحف التأريخ الطبيعي) والذي كان كائنا  في الباب المعظم، حينما كان بإشراف الأستاذ  ـ بشير اللوس ـ حيث كان يقوم بتحنيط الطيور، ومن باب المصادفات التي لم ينسها، هي زيارة (الملك)  للمتحف حينما كان هو متواجد هناك،  حيث طلب منهُ  تحنيط احد الطيور ليشهد  مراحل تلك العملية التي لم تكن معروفة بعد في الوسط العلمي كثيرا.

              

برز وتفرد د. نعيم صرافة في كتاباته ومؤلفاته (المنفردة او المشتركة) بقضية التعليم وأساليبه . ولعل الوقوف امام افكاره ستكون اطلالة على الأبتكار والأبداع عند هذا الأنسان، فهو يقول :  "إن معاهد اعداد المعلمين والمعلمات ودور المعلمين تعلم مدرسينا طريقة (التدريس الصوتي)، فيما الطريقة الجديدة تستند على تدرج الطفل ونضوج قدراته وأتساع دائرة خبراته وإدراكه، وذلك بإتباع طريقة (من الكل الى الجزء) أو ما يصطلح عليها بطريقة ـ الكلية الجملية ـ والتي تتلخص بأستخدام المفردات المعروفة للطفل بغية تقريب المادة الى ذهنه ".

مؤلفات د.نعيم صرافة:
١) مبادئ  التربية وتطور التعليم في العراق لدور المعلمين والمعلمات ـ ١٩٥٦
٢) اصول تدريس التأريخ والتربية الوطنية لدور المعلمين والمعلمات ـ ١٩٥٦
٣)  طرق تدريس الحساب والقياسات لدور المعلمين والمعلمات والدورات التربوية.
٤)  عام ١٩٦٨ قامت كلية التربية/ جامعة بغداد، بطبع أبحاث د. صرافة على شكل ملازم  بمادة ( أحدث أساليب الأرشاد والتوجيه للأبناء)، وقُدمت على شكل محاضرات للصف الثاني ، قسم الماجستير / كلية التربية.
مؤلفات شارك بها سوية مع بعض الأساتذة والكهنة:
١) القراءة الحديثة للأميين والمبتدئين، ٤ أجزاء  عام ١٩٥٢
٢)  اصول تدريس الجغرافيا لدور المعلمين والمعلمات والدورات التربوية بالأشتراك مع الأستاذ محمد حسين آل ياسين ـ عام ١٩٥٩
٣) القراءة السريانية للصف الأول ـ رئيس اللجنة ـ بالأشتراك مع مجموعة من الآباء والكهنة بضمنهم المطران سرهد جمو
٤) القراءة السريانية للصف الثاني ـ رئيس اللجنة ـ بالأشتراك مع مجموعة من الآباء والكهنة.

                   

 وحتى بعد احالته على التقاعد، كان قريبا من صنّاع القرار فيما يتعلق بالتعليم والتربية، وعشية صدور قانون (التعليم الألزامي حتى سن الأربعين) الذي أصدره  ـ مجلس قيادة الثورة عام ١٩٧٦ـ فأنه قدم رسالة للمجلس وضع فيها خبرته وتجربته وضمنها خطة عمل لأنجاح هذا المشروع الحيوي والأنساني المهم في تقدم ورقي العراق.  مع حلول العام ١٩٧٨، وبعد أن اصبح الجزء الأكبر من عائلته في الولايات المتحدة، قرر الرحيل والتفرغ  للعناية بصحته ايضا.

 لقد كانت من المناسبات الفريدة التي جمعتني بالدكتور نزار صرافة (أحد ابناء الراحل)  إذ سلّمني  (كتابين ـ ملفين) كان قد وضعهما الراحل د.نعيم صرافة  والتي كانت عبارة عن (مذكراته) وأهم محطات حياته، المهنية والشخصية، وضمنها كمّاً كبيرا من الصور العائلية والشخصية والتي كانت توثق مراحل حياته وعائلته وأبنائه وبناته بالتواريخ والسنين، كذلك ضمنها (كل) وأعني كلمة (كل) الكتب الرسمية التي مرّت على حياته ابتداءا من صدور أول قرار تعينه عام ١٩٢٤ ومرورا بالكتب اللاحقة والترفيعات وكتب الشكر والترقيات والأيفادات والرسائل المتبادلة بينه  وبين  الجامعات  وصولا لآخر رساله وهو في العقد الأخير من عمره، ليثبت لمن يأتي من بعده بأنه كان انسانا غاية في التنظيم والدقة والمحافظة على كل ما هو مهم وثمين.  إن هذه المذكرات وفرّت فرصة ذهبية للدخول الى عالمه  (المثالي) والرائع، مما سهل مهمة الكتابة عنه بيسر ودقة وشمولية.  وحتى تكتمل الصورة عنه كان لابد من التحدث الى أحد افراد عائلته ، فكان الدكتور نزار صرافة الذي  قال:  كان أبا حنوناً، منظماً وصارماً ايضاً.  وبالرغم من جدول عمله وألتزامته المزدحمة، فقد كان يجد الفرصة دائما للأستماع الينا، ويعمل بكل جهده حتى يقضي أكبر وقت معنا حينما كنّا نكبر ، اما والدتي العزيزة، فقد كانت (منطقة الرحمة) التي نحتمي بها من غضب الوالد حينما كنّا نقوم ببعض الأعمال (الصبيانية) والتي لا تلائم شريعته بالتربية الصارمة.
والحقيقة، يكّمل (د. نزار):  لقد بذر فينا بذور حب العمل والطموح غير المحدود. وكان دائما ما يؤكد على إن (التصميم هو الذي يدفع الأنسان لأنجاز طموحاته، ويجب أن تكون لكم اهداف معينة، مهما صغرت، فالأنسان بلا اهداف خامل، لكن الأهداف هي التي تمنحكم الطاقة والديمومة حتى تصلوها).
ويضيف د.نزار: وصل والدي الى ديترويت وقد تجاوز منتصف عقد السبعينات من عمره، وكان تعبا ايضا، لكنه لم  يختر العزلة او الأنطواء بل كان دائم الحركة والتواصل مع الناس، وخاصة في خدمة الكنيسة ومجالس الخورنة اضافة لكتاباته في المجلات والصحف المحلية الصادرة  في ديترويت، وكانت اسعد اللحظات تلك التي يلتقي فيها بطلبته، فيغدقون محبتهم وأحترامهم له ولمسيرته التربوية والمهنية المشرفة، و كانوا يقولون لي دائما : ( لولا والدك، لكنّا غادرنا المدرسة منذ سنين!). كلام يبعث في قلبي كثيرا من الفرح والحب والأحترام للوالد العزيز، نعيم صرافة.
الذكر الطيب له ولوالدتي الغالية كرجية.


أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

995 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع