العراق: وزير الداخلية الجديد كان مديرا لمكتب هادي العامري ومن المتحمسين لـ "ولاية الفقيه"

  

شذى الجبوري:صوّت البرلمان العراقي، أخيراً وبالغالبيّة، على مرشحي وزارتي الدفاع والداخلية، وهما خالد العبيدي عن 'ائتلاف القوى العراقية'، وزيراً للدفاع، ومحمد سالم الغبان عن 'كتلة بدر' في 'التحالف الوطني'، وزيراً للداخلية.

عمل العبيدي أستاذاً جامعياً قبل تعيينه في المنصب الجديد، وهو حاصل على شهادات عليا عدّة في الهندسة العسكريّة وعلوم الفضاء. أما الغبان، فقد شغل منصب تطوير الكوادر في 'منظمة بدر'، وكان أحد المشاركين في عمليّة تحرير ناحية آمرلي، غربي كركوك، عندما كان يحاصرها تنظيم 'الدولة الإسلامية' (داعش).

وعلى الرغم من بعض التحفّظات على تنصيب العبيدي، لكونه سياسياً يتبع قائمة يترأسها نائب الرئيس العراقي أسامة النجيفي، ما يخرجه من خانة التكنوقراط، لكنّه لا يُعدّ شخصيّة جدليّة، كما هو حال الغبان. والمعروف عن الأخير، أنّه كما هادي العامري، ينتمي إلى 'ميليشيا بدر'، ولكنّ الفارق أنّه ليس قيادياً فيها، ولم يكن ناشطاً عسكرياً، إلا في نطاق ضيق، على خلاف الصورة التي روّجت لها ماكينة 'الدعاية البدريّة'، خصوصاً عندما هوّلت من اشتراكه في العمليات العسكرية في ناحية آمرلي.

وكان العبادي قد أخفق في الحصول على موافقة مجلس النواب العراقي لمرشحين سابقين، على الرغم من كونهما جاءا من نفس الائتلافين.

عارضت الكتل السنيّة، بشدّة، ترشيح زعيم 'منظمة بدر' المدعوم من طهران، هادي العامري، لأنه يقود ميليشيا اتهمت بارتكاب انتهاكات ضد العشائر، التي يعول عليها التحالف الدولي في محاربة 'داعش'، بعد سيطرة الأخير على معظم المناطق التي يتواجد فيها، ولأنّ بعض أبناء العشائر يرفضون مقاومة 'داعش'، بوجود القوات العراقيّة المدعومة بالميليشيات.

 وبحسب مصدر مقرب من 'ميليشيا بدر'، فضّل عدم الكشف عن اسمه، فإنّ العمل العسكري الأول الذي قام به الغبان، كان اشتراكه في الانتفاضة الشعبانية، عندما قاتلت المناطق الجنوبية ضد نظام الرئيس صدام حسين، عام 1991، ودخل 'فيلق بدر' (اسم المنظمة آنذاك) إلى هذه المناطق، منطلقاً من إيران، في محاولة لقلب النظام.

وإذا كان الغبان لا يُعد من 'صقور بدر'، لكنّ ذلك لا ينفي شكوكاً يثيرها وجوده على رأس وزارة الداخلية، ولا يعني أنّ الوضع الأمني في العراق سيشهد تحسّناً ملموساً على المدى القريب. وتجد هذه الشكوك ما يبرّرها، إذا عُلم أنّ الغبان كان يشغل منصب مدير مكتب العامري، ومن المقرّبين منه، وبالتالي، من غير المستبعد أن يسعى الأخير لإدارة وزارة الداخليّة من وراء الكواليس.

 ويبدو أنّ الحقيقة التي قد لا يعرفها الكثيرون من العراقيين، هي أنّ الغبان، من المتحمّسين لنظريّة 'ولاية الفقيه'، والمنظّرين لتجربة الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة، وقد طرح ذلك في محاضراته في المركز الثقافي التابع لـ'منظمة بدر'، الذي قيل إنّ الغبان كان يشرف عليه شخصياً.

وترى صحيفة 'واشنطن بوست' الأميركية، أن تعيين الغبان سيفتح الباب أمام تقوية الميليشيات وتصاعد النفوذ الإيراني في العراق، خصوصاً أنّ 'منظمة بدر' باتت تسيطر على الأجهزة الأمنيّة منذ سيطرة 'داعش' على مناطق شاسعة من العراق.

 وتنقل الصحيفة، في عددها الصادر يوم السبت الماضي، معلومات سربتها وزارة الخارجيّة الأميركيّة عام 2009، وتكشف أنّ العامري، ربما يكون قد أمر بعمليات أدّت إلى مقتل نحو ألفي شخص عراقي.

 وفي سياق متّصل، يقول الباحث في الجماعات الشيعيّة في جامعة ميريلاند الأميركية، فيليب سميث، إنّ 'منح وزارة الداخليّة إلى وكيل إيراني، شيء خطير، وفيه مجازفة من العراقيين'.

لا يخفي العامري علاقته القوية بطهران، فهو يُرجع لها الفضل بتوقّف تقدم 'داعش' في العراق. وتنقل 'واشنطن بوست' عن العامري، قوله إنّه 'لولا إيران، لكانت بغداد قد سقطت. لقد دعمتنا إيران، بالسلاح والذخيرة، بالإضافة إلى الاستشارات العسكريّة'. ويضيف: 'لا نخجل من علاقتنا بطهران. عندما يصبح بلدنا عرضة للخطر، سنذهب إلى أيّ دولة مستعدة لمدّ يد العون. هل تريدوننا أن ننتظر الأميركيين لأن يفعلوا ذلك؟'.

 ويصف العامري علاقته بقائد 'فيلق القدس'، الجناح العسكري للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، بـ'الصديق'، بحسب الصحيفة.

 ويرى الموقع البريطاني المهتم بشؤون الشرق الأوسط 'ميدل إيست آي'، أنّ 'اختيار الغبان، مسؤولاً عن وزارة الداخلية، الأكثر أهمية بين باقي الوزارات الأمنيّة، يعني أنّ هذه الوزارة ستُدار من قبل العامري'. ويتّهم، في تقرير نشره يوم الأحد الماضي، 'هذه الميليشيا المدعومة من إيران، بأنّها متورطة في الصراع الطائفي في العراق بين عام 2006 و2007، الذي خلف عشرات الآلاف من القتلى'.

 وبحسب المصدر المقرّب من 'منظمة بدر'، فقد 'أصرّت إيران على أن يتولى عضو في المنظمة حقيبة الداخلية، لتحافظ على نفوذها في العراق'. ويضيف أن 'إيران كانت ترفض استقبال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ولم تسمح له بزيارتها، إلا بعد أن نجح بإقناع الأطراف الأخرى بالموافقة على تعيين عضو في المنظمة'.

ويدفع حصول مرشحي الوزارتين الأمنيتين على موافقة غالبية أصوات النواب الذين حضروا جلسة التصويت، إلى التساؤل عن سبب حصول الموافقة في هذا التوقيت. وكانت صحيفة 'نيويورك تايمز' الأميركية، قد أفادت يوم السبت الماضي، بأنّ 'منظمة بدر كانت تضغط على العبادي لاختيار مرشح منها لمنصب وزير الداخلية، وهددت بالانسحاب من الحكومة إذا لم يفعل ذلك'.

وتهدّد الميليشيات، وفي مقدمتها 'منظمة بدر'، بالانسحاب من المعارك ضد 'داعش'، في حال وافق العبادي على دخول قوات بريّة أجنبيّة لمحاربة التنظيم. وبما أنّ قوات الحرس الوطني، التي ستوكل إليها مهمّة محاربة 'داعش'، لم تشكل بعد، ولا تزال تحت الدراسة، فلن يجد العبادي أمامه خياراً، إلا الخضوع لرغبة 'منظمة بدر'، والموافقة على تقديم مرشّح منها.

ويعزو بعض السياسيين، موافقة الكتل النيابيّة على العبيدي والغبان، ليشغلا المنصبين الهامين، إلى هشاشة الوضع الأمني في العراق بعد التقدّم الذي أحرزه 'داعش' في العراق، والحاجة الملحة لتعيين وزيرين أمنيين لإدارة المعارك ضد التنظيم المتطرّف.

من جهة أخرى، يرى مراقبون أنّ الموافقة على الوزيرين جاءت ضمن 'صفقة سياسية'، لأن 'كتلة بدر' و'القوى العراقية'، كانتا متمسكتين بالمنصبين وتعتبرانه استحقاقاً انتخابياً. كما يعتبرون أن هذه التعيينات لم تخرج من إطار نظام المحاصصة الذي اعتُمد في تشكيل الحكومات السابقة في العراق الجديد.

ويشير الترحيب الغربي بتعيين الوزيرين إلى أنّ الموافقة عليهما جاءت نتيجة ضغوط خارجيّة، على الرغم من أنّ توجهاً سابقاً كان رفضاً لترؤس 'ميليشياوي' حقيبة الداخليّة.

 وفي السياق، يذكر الموقع البريطاني 'ميدل إيست آي'، أن 'التشكيلة الوزاريّة الجديدة، لا تبتعد عن سابقتها'، لكنّه يرى أنّ 'السياسات التي ستتّبعها الحكومة العراقيّة الجديدة، هي التي ستحدّد ما إذا كان العراق سيختار مصالحة وطنيّة حقيقيّة'.

 ويحاول مؤيدون للحكومة العراقيّة الجديدة التخفيف من المخاوف التي أبداها كثيرون حول تعيين الغبان أو العبيدي، بقولهم إنّه على الرغم من أنّهما ليسا مستقلين، لكنّ كونهما وزيرين بالأصالة، لا بالوكالة، كما حصل في وزارة حكومة الرئيس السابق نوري المالكي الثانية، من شأنه أن يمنحهما القدرة على العمل بشكل صحيح وسليم، شريطة ألا يخضعا لإرادة كتلتيهما. ويعول هؤلاء على الدور الرقابي للبرلمان العراقي في محاسبة الوزراء الذين سيفشلون في إدارة وزاراتهم بشكل صحيح.

 في المقابل، يعتبر مراقبون أنّ دمج الميليشيات في المؤسّسات الأمنيّة هو سبب الأزمات التي يشهدها العراق منذ عام 2003. ويقول الباحث في 'مركز الدراسات الاستراتيجية' العراقي، يحيى الكبيسي، إنّ 'اختيار شخص من (كتلة بدر)، الحليف القوي للمالكي، يعني أنّه لا إرادة حقيقية لتغيير السياسات الأمنيّة التي اتّبعها الأخير خلال فترة حكمه'.

وللمفارقة، فإنّ عضواً آخر من 'منظمة بدر'، هو محمد البياتي، تسلّم مهام وزارة حقوق الانسان في حكومة العبادي، ما يفتح الباب واسعاً أمام الشكوك حول مدى جديّة التعهّدات التي أطلقها العبادي لمحاسبة الميليشيات المتهمة بانتهاكات حقوق الإنسان.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

840 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع