مـربّون في الذاكرة: رحلة مع بناة الأنسان العراقي (8)

  


مـربّون في الذاكرة: رحلة مع بناة الأنسان العراقي (8)

         

        

حملوا احلامهم للقرى والقصبات القصية عن مدنهم، يحدوهم الأمل بأن يأخذوا بأيدي التلاميذ ، ليفتحوا امامهم افقا لا نهاية له، في العلم والتقدم وحب الوطن، تماما  كما الأشجار حينما تحمل بين ثنايا اغصانها آلاف البذور ثم تطلقها مع الريح، ومتى ما وجدت البذرة ارضا صالحة ومناخا ملائما، نبتت وتأصلت في الأرض...

هكذا هم التلاميذ!  لكن كل هذا كان مرهونا بوضع البلد وعقلية حكامه، فشهدنا سـوية ارهاب الأنظمة وحروبها المدمرة والحصار القاس، والجهل الذي كان مطبقا على عقلية (الحزب الحاكم) وشراسته في التعامل مع خصومه، مما ادى الى نزيف  لطاقات البلد البشرية والمادية، نعيش نتائجها الكارثية لليوم.  جهودا كثيرة بددت وطاقات عظيمة احترقت في الحروب والدمار والهجرة.
لكن، مع تلك  الصورة الرمادية بألوانها والقاتمة بواقعها، يبقى الأمل معقودا في البذور التي نثرها جهد المربين والمربيات وبشتلاتهم التي نأمل ان تثمر خيرا وطيب، وأن تبقى عبارة (مرحبا ست أو مرحبا استاذ) تلك التي تطلقها احدى التلميذات او احد التلاميذ حين يصادفون مربيهم، عربون وفاء  للجهد التعليمي ممزوجا بقيم المحبة والأنسانية التي اشترك الجميع فيها. ادعوكم لرحلة وســفر جديد مع بناة الأنسان العراقي، عسى ان تروق لكم.

  

                     

المربي حبيب يونس سـاكو
من مواليد مدينة القوش، التابعة لمحافظة نينوى في العام 1933، وفي منطقة التحتاني (محلة ختيثة) ومتزوج من السيدة غربت القس يونان، ولهما خمسة بنين وبنت واحدة مع اربعة احفاد.
درس الأبتدائية في القوش، والمتوسطة في دهوك، اما الثانوية فقد اكملها في "الثانوية الجعفرية" /بغداد، عند منطقة (العبخانة/ شارع سيد سلطان علي). دخل اثرها دورة تربوية لمدة سنة واحدة، وتخرج معلما عام 1955، ولأنهم هكذا، فلم يحملوا اي اختصاصات بل قاموا بتدريس كل المواد، وحتى التي كانت (لملء الفراغ او اكمال عدد الحصص المطلوبة). وقد صدر اول تعين له،  
- معلم في احدى مدارس محافظة الناصرية ولمدة سنتان، ثم
- معلما في "مدرسة جرحية" التي كانت تابعة لناحية القوش، بعدها
- معلما في "مدرسة بيبان" والتي كانت تقع شرق القوش، وتابعة لها،  اعقبها السجن لمدة سنة ونصف عقب انقلاب الحرس القومي الأسود في شباط عام 1963، ضد ثورة 14 تموز والقوى الوطنية ذاق خلالها شتى اشكال التعذيب والأهانات والحرمان من عائلته، ثم (يقول): كان ذلك عقابا على وطنيتي وحملي للأفكار اليسارية. بعد اطلاق سراحي، عدت الى وظيفة التعليم مجددا، وصدر امر تعيني،
- معلما في "مدرسة مريبا" التابعة لقضاء الشيخان/محافظة الموصل. تلاها نقل الى العاصمة بغداد في،
- "مدرسة النجاح"  بمنطقة الشورجة ولمدة 7 سنوات.
تركت هذه المهنة، بعد تزايد المضايقات والتهديدات اليومية، لمن لم يكن (رفيقا بعثيا)، وآثرت انا والعائلة الرحيل وترك العراق ، فوصلنا اليونان عام 1982، وبعد ان مكثنا هناك أقل من عامين، وصلنا الى مدينة ديترويت الأمريكية منذ العام 1984، وأنا مقيم هنا منذ ذلك التأريخ مع عائلتي.

بالرغم من كل ما مر على جيلنا من مصائب ومشاكل، الا ان صفحات ملونه بعطر الأشخاص والأسماء تبقى ماثلة في الذاكرة وفي حياتنا،  لاتتوانى عن الظهور خاصة في المنعطفات الحادة التي تحاول ان تسلب انسانيتنا.  لقد عملت كثيرا على ترسيخ المبادئ الوطنية والأنسانية في نفسي اولا وفي عائلتي والمجتمع، وقد تكون بعض الظروف وبعض الشخصيات قد لعبت دورا كبيرا في ذلك، لكن تبقى قناعات الأنسان هي الفيصل فيما سيكون عليه موقفه القادم رغم تبدل الحياة والظروف،  وفي هذا المقام، فقد كان لبيئة مدينتي، ومعلميها  دورا مهما مازالت ذكرى بعضهم ماثلة لليوم (والرحمة لمن غابوا عن ذاكرتي)،  معلم الحساب (سليمان بوكا) الذي كان يظهر حبا كبيرا للتلاميذ، معلم اللغة العربية (عبد كعكلا)، ومعلم مادة الأجتماعيات (حبيب عبيّة) والمقيم في كندا الآن، اما في المرحلة التدريسية فتسعفني ذاكرتي بشخصين عزيزين عليّ هما: المعلم حسين علي عبد (من اهالي بغداد)، والمعلم صابر عوين (من اهالي تكريت) وكلاهما تقاسما معي التدريس في (مدرسة النجاح) قرب الشورجة، تحياتي لهم جميعا، اما لمن غادرنا، فله الذكر الطيب دائما.
لقد كانت تربيتنا المنزلية حجر الأساس في اخلاقنا ومواقفنا الأنسانية والوطنية، وعلى هذا كانت علاقتي بالتلاميذ تنطلق من اشاعة المفاهيم  والأخلاق وحب التعاون، وأن اكون انا مثلهم الأعلى في حب البلد والشعب، لكن الأنظمة الرجعية والدكتاتورية كافئتنا بالسجون والملاحقات والأهانات، تلك التي ادت الى خسارة كبيرة لخيرة الكوادر التي جمعت الأخلاص للوطن مع الأبداع في المهنة، فكان ان يدار البلد بيد مجموعة من الأنتهازيين والوصوليين، فأخدوه نحو الدمار والهاوية، ولتأتي بعده جحافل العقول المتحجرة والسوداء (عقب الأحتلال) وتجهز عليه بالمرة، في الفساد الأداري والطائفية والتقسيم. ولطالما تحدثنا عن وضع الأنسان المناسب في المكان المناسب، تحضرني مناهجنا الدراسية وحتى دورات اعداد وتأهيل المعلمين، التي لم يطرء عليها التطور، وكأننا نعيش في مجرّة خارج المنظومة الشمسية، فيما العالم يتقدم عبر تطوير مناهجه الدراسية وأساليبها والعناية بالكادر التدريسي.

ان اوضاع العراق الصعبة تؤكد اصراري على ضرورة التغيير وأن تقود البلد نخبة طيبة تؤمن به وبشعبه، لهذا كنت حريصا دائما على المشاركة وحضور جميع المناسبات والفعاليات الوطنية، لأني اعتبر ذلك موقفا انسانيا من اهلنا، كما وأتابع اخبار البلد من خلال اجهزة الأعلام وما تنشره صحافة المهجر، على اني ايضا اقرأ كتب التأريخ لأنها مادة جميلة وغير مملة.
آمل لأولادي ان يكونوا موفقين في هذا البلد الذي انهى معاناتنا من الأرهابيين ويوفر فرص الحماية والتقدم لنا، اما لوطني الغالي، فآمل ان يعيش اهله بهدوء وســـلام!

               

  

المدرّسـة بشـرى الياس طوبيا جعدان – عبـّـو
ولدت في مدينة تلكيف، التابعة لمحافظة نينوى عام 1943، وبمحلة (كيزي) ومتزوجة من السيد كامل عبّو، ولهما ولدان وبنت واحدة وأثنان من الأحفاد. تلقت اول تعليمها في،
- الأبتدائية "مدرسة الراهبات" بمدينة تلكيف، وثم
- المتوسطة في ذات المدينة ايضا،  بعدها انتقلت الى بغداد وأكملت دراستها في ،
- "الثانوية الشـرقية للبنات" ، وتخرجت منها عام 1964. و اختارت ســـلك التعليم، فأنتســبت الى كلية التربية/ جامعة بغداد/  قســم اللغة العربية.

                    

بعد رحلة طويلة في الدراسة الجامعية، جاءت الساعة التي ينتظرها ايّ خريج، الا وهي ساعة التوظيف، فكانت  محطتها الأولى في،
- "دار المعلمات" في مدينة الكوت، ودرسّـت بها لمدة سنة واحدة، ثم انتقلت الى:

  

    في ثانوية الكوت للبنات ولقاء مع التلميذات والمدرسات والعوائل

- "ثانوية الكوت"، حيث استمر تدريسها هناك لمدة 3 سنوات، بعدها انتقلت الى بغداد وداومت في،
- "ثانوية المروج" والكائنة في مدينة الزعفرانية، حتى العام 1976 حيث قررت هي وزوجها مغادرة العراق، نتيجة تزايد حملات المضايقات  الموجهة للسلك التعليمي  والتدريسي في عموم العراق من قبل حزب البعث آنذاك!

عقب قرارنا بالمغادرة (تقول السيدة بشرى)، كان علينا ان نمر بمحطتين قبل الوصول الى الولايات المتحدة، الأولى هي لبنان، ثم اثينا في اليونان.   عقب وصولنا  مدينة ديترويت عملت على موازنة  وقتي بين مهمة  رعاية ابنائنا الثلاثة ، والعمل في الأعمال الحرة ومحلات بيع الملابس  من اجل اعانة العائلة،  دون ان اخسر ممارسة دوري كأم وأمرأة وعضو في الأسرة.

 

  مع لجنة تحكيم احدى المهرجانات الشعرية والخطابية في الكوت

اما عندما تعود بي الأحداث الى ايام العراق والدراسة، فأن اسماءا كبيرة مازالت عالقة في مخيلتي، تلك التي اثرتني وأثرّت علّي ايضا وأذكر منهن: في الأبتدائية كانت – الراهبة – "ماسيرماري آن"، اما في المتوسطة فكن عالية و أميرة مطلوب واللواتي كن يأتين الينا في تلكيف من مدينة الموصل. وطالما كان الحديث عن تلك الأيام، فلابد من التوقف امام دوري كمدرسّة مع (البنات)  اللواتي قمت بتدريسهن آنذاك، واللائي ربما يكونون الآن سيدات اعمال اوسياسيات او ربات عوائل او اي شئ مفيد للمجتمع،  فقد اجتهدت معهن في ابتداع كل ما هو سهل او ممكن لتقريب مادة (اللغة العربية وقواعدها) الى اذهانهن، ولم اكن لهن مدرسّة فقط، بل كنت صديقة وأم ـ ولهذا نلت احترامهن، ويمكنني القول ايضا بأني كنت (حقانية) في منح الدرجات او في تقييم الطالبات.  ومن بعض الأسماء التي مازالت عالقة في الذاكرة، اتذكر بنات السيد أمين يتوما، كل من شــذى وعواصف، وبنت السيد سليم يتوما ايضا، والسيدة منقذة يعقوب دخو.

عندما انظر حولي وأحاول المقارنة بين مدارس ديترويت ومدارسنا، اصاب بالدوار! فمناهجهم هنا متنوعة ومتطورة، ويهتمون بالأطفال كثيرا،  وذات الشئ ينطبق على الهيئات التدريسية ، وبالحقيقة لا مجال للمقارنة!  في مدينتنا هذه (ضواحي ديترويت) تسير الحياة مسرعة، حتى لو كان  الأنسان متقاعدا، بين التزامات الأسرة والعائلة والأبناء والأهل والأقرباء ناهيك عن الأهتمات الشخصية،  وعن هواياتي فأن ابرزها، المطالعة بصورة عامة، والشعر بصورة خاصة، المقفى  والحر، وأنسجم كثيرا  مع شعر نزار قباني، هذا اضافة الى التفنن في الطبخ والمطبخ.
من امنياتي الشخصية، ان احيا بقية عمري، حياة هادئة مع اولادي وزوجي، وأن يكون السلام ضيفا محبوبا ومرغوبا في بيتنا دائما، وأن انعم وأشهد المستقبل الجيد والسعيد لأبنائي وبناتي، اما للعراق الغالي فأني اتمنى، ان يعيش اهله بسلام وأن يعود كما كان، رغم صعوبة الأمنية، لكن لا شئ محال في الحياة، وفي هذا المقام، اتمنى ايضا ان اســـعد بزيارته من جديد وتفقد كل المدن والأماكن المحببة لقلبي.

 

                    

  المدرّس مسـعود ميخائيل يوسـف صنـا

من مواليد العاصمة بغداد عام 1951 وفي منطقة عكد النصارى، كان متزوجا من الراحلة السيدة دليلة بطرس قيتا، ولهما بنتان وولدان و ثلاثة احفاد.

  

                         

              بوابة مدرسة مار ميخا - القوش الأولى


انهى الأبتدائية والمتوسطة والثانوية في مدارس مدينة اجداده "القوش" في العام 1968، قبل بعدها في كلية التربية/ جامعة بغداد، وفي قسم اللغة العربية، وتخرج عام 1972 التحق أثرها بالخدمة العسكرية لمدة عام، ثم عيـّن:

  

الأستاذ مسعود ميخائيل  مع الطلبة والأساتذة-ثانوية سميل 1979

- مدرسا في "ثانوية مانكيش" التابعة لمحافظة دهوك عام 1973،
- مدرسا في "متوسطة كارا" في دهوك ايضا، ثم
- تنسيب الى "اعدادية تجارة القوش" ومن بعدها،
- مديرا ل "متوسطة باختمة"، بعدها
- مدرسا في "ثانوية ســميل"، بعدها
- مدرسا في "ثانوية تلكيف" ولمدة عام واحد ما بين 1979 – 19890، ثم:

       

  الأستاذ مسعود ميخائيل سفرة الى بابل مع طلبة جامعة بغداد 1970


- مدرس في "متوسطة تلسقف" عام 1981، ثم
- مدرسا في "ثانوية القوش" وللأعوام 1982-1992، وبعد اتمامه 20 سنة خدمة، احيل على التقاعد.

لم يساعد (التقاعد) في اعانتي ماديا، لكنه ساعدني على الأستقرار النفسي والتخلص من فكرة (النقل والتنسيب) التي كانت تفرض علينا نحن المدرسين، لدرجة كنت أشعر معها بأنه اما انتقام او عقوبة لي او (لنا) نحن مجموعة الأساتذة الذين كانت لنا عقولا (مستقلة) نوعا ما عن ماكنة الدولة وحزبها القائد! وبالفعل قمت بأفتتاح (ستوديو القوش) للفديو والفوتوغراف، وذلك لضمان مورد مالي مجزي، وهذا الأستقرار ساعدني على منح جزء من طاقتي ووقتي للشباب و لأبناء بلدتي العزيزة، ووضع خبرتي الأدارية في خدمتهم، وكان عشقي الكبير هو في النشر والأعلام، وقد ساعدت في اعدادي (الدورات الصحفية) التي شاركت فيها في اقليم كردستان، ونلت أثرها  عضوية (نقابة صحفي كردستان/فرع الموصل)، وقد أهلتني كل تلك الأمور على،
* المساهمة بتأسيس "نادي القوش العائلي" في العام 2004، وأصبحت  رئيسا له لفترة من الزمن، ثم
* كنت صاحب امتياز جريدة "صوت القوش" ثم،
* رئيس تحرير "مجلة اور" مضافا لكل ذلك،
* سكرتير "مجلس خورنة القوش"،  ناهيك عن النشاطات الشخصية والعامة التي كانت تعج بها مدينتنا العزيزة.

عندما تعود بي الذكريات الى الأيام الأول، لا استطيع ان اتجاوز حقيقة تعلقي باللغة العربية اولا، وثانيا، تلك (الملكة) والموهبة في تسخير هذه اللغة الجميلة (عبر شتى الوسائل) لخدمة الأنسان ورفعته ورفاهيته، وفي هذا المقام، تعلن بعض الحقائق عن نفسها، وقد تكون اولها، هي تأثري بأساتذتي، في الأبتدائية:

استاذ (ميخا بجوري) والد الدكتور نزيه بجوري، والذي قدم بأسلوبه الرائع  اسلوبا جميلا في فن التدريس ،اما في الثانوية فكان لأستاذي الفاضل (منصور عـودا سورو) مدرس الرياضيات والمدير ايضا، صاحب العقل الناضج، والأسلوب ألأمثل في معالجة المشاكل، اضافة الى استاذ اللغة العربية (عابد عقراوي)، والذي كان يمتلك مقدرة ثقافية عالية ومتميزة، اقول، ان هؤلاء الناس لم يثروا حياتي فحسب، بل  وضعوا اساسا قويا للبناء القادم في كلية التربية عبر مجموعة المدرسات والمدرسين الذين أشرفوا على دراستي، وأذكر منهم:

  

د.عاتكة الخزرجي، الشاعرة (المرحومة) نازك الملائكة،الأستاذة نجلاء رومايا مدرسة اللغة الأنكليزية، والأستاذ عناد غزوان.

ان هذه الجمهرة العزيزة (وغيرهم) كانت هي من شاركت ايجابيا في تثبيت كياني الثقافي، اضافة الى جهودي الشخصية ومنذ المرحلة المتوسطة ، حينما فتحت عيناي على عيون الأدب العربي والعالمي في الشعر والفنون والثقافة العامة. ولا انسى ابدا جهود استاذتي الغالية (نازك) في ارشادي اثناء وبعد انتهاء (كلية التربية)  للتشرب من ينابيع الأدب والمسرح العالمي، وشجعتني لدراسة نتاجات الأستاذ (سامي خشـبة).

حينما كنت تلميذا ،وطالبا من بعدها، اذكر جيدا بأن علاقتنا مع جيل الأساتذة كانت مثل علاقتنا ب (الشرطة) وأقصد من ذلك(الخوف) والأنضباط، لكني طورت هذه العلاقة بعدما اصبحت مدرّسا الى علاقة فيها انضباط لكنها مرنة ايضا، وبالحقيقة فأن اساليب التدريس كانت تعتمد كثيرا على ثقافة المعلم او المدرس، وهذه متباينة للأسف، ولم يكن للجهات التربوية المختصة دورا بارزا في تعضيد شخصية المربي في هذا الحقل، لهذا كانت  سلوكية بعض المربين  تعتمد على اجتهاداتهم، وفي كثير من الأحيان كانت (مخالفة لفكرة التعليم اصلا) في استخدام  اسلوب الزجر أوالضرب او الأهانة، او على العكس منهم لدى البعض في اتباع الأساليب الأنسانية والتربوية. لقد سعيت بأستمرار الى تعزيز شخصية تلاميذي وذلك بتقريب اللغة العربية الى حياتهم وكنت استخدم طرقا وأساليب  تسهّل هذه المهمة، علاوة على اصطحابي التلاميذ مرة واحدة اسبوعيا الى مكتبة المدرسة، وكنت اطلب منهم استعارة كتاب للمطالعة (اي كتاب) من اجل تعزيز ثقافتهم. ان اخلاصي في العمل لم يشفع لي ، او ينقذني من (ملاحقات) المنظمة الحزبية، او افراد الأتحاد الوطني لطلبة العراق، والذين كان شغلهم الشاغل (مراقبتنا) وتهديدنا بالنقل او الحرمان او حتى بالسجن، وهذا ما حصل لي بالضبط عقب التقاعد حينما اودعت (التوقيف) لمدة سنة وشهرين، بتهمة لا اعلم ما هي لليوم، وتشاء الصدف ان التقي بالسيد (جلال چرمگا – صاحب موقع مجلة الگاردينيا الألكتروني الغراء) في  "سجن الحاكمية - المخابرات العامة -" ببغداد، وربما كتب لي عمرا جديدا حينما برئت ساحتي وأطلق سراحي وعدت الى مدينتي القوش.

لم تكن حياتنا سهلة، وكانت كل العيون تراقبنا، وتبحث عن اي مستمسك، للأسف من اجل الأيقاع بنا. كانت كلها مضيعة للوقت وحرمان البلد من فرص التقدم. اما في العالم المتحضر، فلا تعتبر حيازة (الأفكار) جريمة يعاقب عليها الأنسان لعقوبة قد تصل الأعدام. فأنا مدرس، وحصلت على هذه الوظيفة بعد جهد ودراسة جامعية، وأستحق الأحترام، ان كان لوظيفتي او لأفكاري التي احملها، ما العيب في ذلك؟
اعود مرة اخرى الى بداياتي، حينما كنت (شابا)فقد كانت رياضة السباحة تستهويني بشكل كبير، اضافة الى القرأة...

               

وبالحقيقة كنت منفتحا على ثقافات كثيرة،لأني اعتبرها نتاجات العقل الأنساني وأبداعاته، فقد تأثرت بجان جاك روسو وتولستوي، وبيكاسو ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش ولوركا ، وبشجاعة جيفارا!
لم تعد اوضاع العراق تحتمل، وفرص التقدم اصبحت اكثر من المحدودة، وأماكن تواجد المسيحين صارت تعد بعدد اصابع اليد، ولم يبق من امل عندي سوى مغادرة البلد، وربما اكون من السعداء الذين وصلوا لهذه البلاد(عام 2011)، ومدينة (ديترويت) بالذات حيث الجالية الكريمة وتنوعاتها وحجمها وأمكانياتها الملفتة. لكن فرحتنا لم تكتمل بعد ان رحلت بصورة مفاجأة زوجتي الغالية (دليلة) وأتحمل منذ ذلك التأريخ مسؤلية البيت ورعاية الأبناء، وأحاول جاهدا على خلق الموازنة بين  التزاماتي العائلية، والعمل، والنشاط في جمعيتنا العزيزة (جمعية مار ميخا الخيرية) ويشرفني ان اكون رئيس تحرير مجلتها (السنبلة)  اضافة الى المشاركة او حضور النشاطات الوطنية والقومية التي تشهدها ديترويت، او حتى تأدية الألتزامات العائلية في الزيارات او حضور مراسم الأفراح والأتراح، لكن اكثر ما يفرحني، هو التقائي بأحد تلامذتي من مدينة القوش او المدن الأخرى التي درسّت بها،  اذ يتكلل شعوري بالفرح والغبطة وأنا اسمع تلك الكلمة الساحرة (مرحبا استاذ مسعود)، فهذا يكفيني ويغنيني عن كل ما (استحقه بجدارة ) من حقوق، لم يعد لها اية قيمة قياسا بما يمر به البلد الآن، وما نزل على سكان الموصل المسيحين من ظلم وحيف، فأنا قنوع بمحبة الناس وأهلي وتلامذتي.
احلم لوطني الغالي (العراق)ان يعود اليه الأمن والأستقرار ، وخاصة للشعب المسيحي، المضطهد في ارضه وأرض آبائه وأجداده!

كمال يلدو
تموز 2014
     

                            

الگاردينيا:شكرا للزميل العزيز كمال يلدو الذي بواسطته كحلنا أعيوننا برؤية صورة أستاذنا الكبير العلامة مسعود ميخائيل(اطال الله في عمره).. لم ولن ننساه طالما نحن أحياء..حيالله الأستاذ مسعود ففيه كل البركة..

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

646 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع